مجلة أميركية تنتقد السياسة الخارجية للولايات المتحدة
حدث اليوم - تقرير ▪️محمد مرشد عقابي:
أثارت مجلة الفورين بوليسي الأميركية، جدلاً واسعاً مؤخراً بعد نشرها مقالاً افتتاحياً في عددها الصادر يوم الثلاثاء الماضي والذي وصفت خلاله الإدارة الأميركية وتصرفاتها بالغباء، معلنةً بإن واشنطن ومنذ عقود، تتصرف بحماقة بما يتعلق بالسياسة الخارجية حول العالم والدور الذي تلعبه في مشاريعها الدولية.
وأكد المقال، على إن الإدارة الأميركية ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ثم الحرب الباردة، تقوم بالسيطرة على العالم من خلال قوتها العسكرية الهائلة عبر محور "القوة الواحدة" نتيجة لغياب المتحدي الطبيعي الذي أنتهى بإنهيار الاتحاد السوفيتي تسعينات القرن الماضي.
وطبقاً للمجلة، فقد أظهرت الممارسات التي حدثت وخصوصاً بعد عام 2002 للميلاد، وغزو العراق وأفغانستان، بان الولايات المتحدة تتصرف بحماقة فيما يرتبط بسياساتها الخارجية، وتقوم بفرض الإملاءات على دول العالم والمنظمات من خلال استخدام الضغط الاقتصادي والعسكري والسياسي الذي تحظى به بشكل منفرد منذ بداية دخولها محور القوة الواحدة.
ونقلت المجلة، عن أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفرد "ستيفن والت"، الذي وصف أوضاع الولايات المتحدة الأميركية الحالية بحسب المقال، بانها غير قادرة على التوقف عن التصرف بغباء حتى وإن رغبت بذلك، موضحاً الأسباب التي جعلت من أميركا قوة غبية على الصعيد الدولي بحسب وصفه، مشيراً إلى أن تصريحات الرئيس الأميركي السابق "باراك أوباما"، التي أكد خلالها على إن الولايات المتحدة يجب أن تتوقف عن "ارتكاب الغباء".
وأتت انتقادات مجلة الفورين بوليسي على خلفية أخرى اطلقتها صحيفة "ذا اتلانتك"، دافعت خلالها عن السياسة الأميركية بالتأكيد على ان أسباب قيام الولايات المتحدة بما تقوم به الآن ويعد غباءاً من قبل النقاد، هو امتلاكها للقيم الليبرالية مرفقة بالقوة العسكرية والاقتصادية الهائلة، الأمر الذي قالت انه يدفعها إلى التصرف إزاء الاحداث التي تجري في العالم.
وتابعت الفورين بوليسي، بانتقاد موقف ذا اتلانتك بالتاكيد "بالنسبة للبلدان الطبيعية، فانها تحاول موازنة علاقاتها الخارجية وتدخلاتها على الصعيد الدولي بشكل دقيق، إلا إن الولايات المتحدة والتي تملك 700 قاعدة عسكرية خارج حدودها، مجاميع حاملات طائرات في معظم محيطات العالم، تحالفات عسكرية مع معظم البلدان وتشن حالياً على حد زعم المجلة حرباً بالوكالة ضد روسيا، حرباً اقتصادية ضد الصين، عمليات عسكرية في الشمال الإفريقي، وجهود مباشرة لتغيير الأنظمة في عدد من البلدان، فانها بعيدة كل البعد عن الحالة الطبيعية للقوى الدولية والعظمى حول العالم وعبر التاريخ".
وأكد "والت" بأن الأسباب التي تقف خلف الموقف الأميريكي وما اسماه بالعنجهية التي تظهرها حول العالم وعبر سياستها الخارجية، تعود الى عدة أسباب، أولها القيم الليبرالية التي تحاول الولايات المتحدة فرضها بالقوة على دول العالم على العكس من دول أخرى مثل نيوزلندا المستقرة سياسياً والليبرالية في ادارتها، فلن تجدها تحاول توسعة نفوذها حول العالم لانها ببساطة تحد من علاقاتها الخارجية لعدم وجود مغريات القوة التي تملكها الولايات المتحدة.
وقال: الرؤساء الأميركيين يواجهون إغراء في العادة، ظهور مشاكل حول العالم تمثل لهم فرصاً سياسية ودبلوماسية لتوسعة اجندتهم الخاصة والحصول على مكتسبات داخلية، خصوصاً وانهم قادرين على التدخل حتى بشكل عسكري مباشر في مشاكل دول العالم الأخرى، دون ان يكون هنالك خطر واضح قصير الأمد يعود على الولايات المتحدة بالإضافة إلى قدرة الرئيس الأميركي على فرض عقوبات، حصار اقتصادي وحتى عمليات استخباراتية ضد الدول الأخرى دون خوف من رد فعل مباشر، والسبب الآخر لما وصفه "والت" بالغباء الأميركي، يعود الى ذلك الإغراء، معلناً كما قال رئيس لجنة خدمات القوات المسلحة في البرلمان الأميركي خلال ستينات القرن الماضي، إذا كان من السهل علينا أن نذهب إلى أي مكان ونقوم بأي شيء دون تبعات، فاننا بالتأكيد سنذهب إلى مكان لنقوم بشيء ما، لأفتاً إلى أن هذه العقلية هي التي تسيطر على الإدارة الأميركية، منذ ستينات القرن الماضي.
ونوه "والت"، إلى استمرار الولايات المتحدة لمدة تزيد عن سبعين عاماً كقوة عسكرية دولية كبرى وحيدة دون وجود منازع أو تحدي فعلي، اخضعها لسيطرة جهات تحاول إبقائها متورطة في الصراعات حول العالم بهدف تحقيق مكاسب اقتصادية ومالية، متابعاً: كما كشف الرئيس الأميركي الأسبق "دوايت ايزنهاور" في خطاب خروجه من المنصب خلال عام 1961 للميلاد، فان الولايات المتحدة باتت خاضعة لسيطرة شركات الصناعات العسكرية ومنذ الحرب العالمية الثانية بشكل كامل، الأمر الذي حذر من إن له تبعات خطيرة على مستقبل الولايات المتحدة كبلاد، وهذا الموقف توافق عليه شبكة فوكس التي رأت بان واشنطن تحركها سياسة يسارية وسطية تبحث في العادة في مقدار القوة الذي يجب على الولايات المتحدة استخدامه.
ويرى "والت"، إن من أهم الأسباب "انفتاح الولايات المتحدة على العلاقات الدولية بشكل كبير وبالتالي، التاثير الأجنبي، حيث يمكن لبلدان وجهات أخرى استئجار لوبيات ضغط داخل الإدارة الأميركية للدفع بالبيت الأبيض لاتخاذ قرارات تناسب أهدافهم"، ملمحاً بأن أصوات الهمسات الأجنبية في آذان الولايات المتحدة تزداد بشكل ملحوظ في كل مرة تعلن فيها عن الحصول على شريك أو إقامة علاقات خاصة مع دولة اجنبية، موضحاً: في السابق كان لدينا 11 دولة حليفة تحاول تشذيب شكل أوروبا، حالياً لدينا 29 دولة، تدفع كل منها باجندتها الخاصة عبر استغلال الإدارة الأميركية.
واختتمت الفورين بوليسي مقالها، بالتأكيد على إن الإدارة الأميركية ذاتها، وحتى بغياب العوامل أعلاه، فانها تستمر بالتصرفات الغبية بالنظر إلى ما قامت به في العراق بناءً على العقلية التي تسيطر على إدارتها منذ عقود، فان العم سام سيبقى غبياً في تصرفاته وغير قادر على التوقف عن هذا الغباء المركب حتى وأن رغب بذلك على حد وصفها المجلة.