تحليل: التوقيت المتكرر لتحذيرات المبعوث الأممي وعلاقته بالتحرك العسكري ضد الحوثيين

حدث اليوم/هشام صويلح
تحذيرات المبعوث الأممي من التصعيد تغفل جرائم الحوثي وتساوي بين المعتدي والمدافع، ما يطرح تساؤلات حول مصداقية الأمم المتحدة وحيادها في الملف اليمني.
- هل ما زالت الأمم المتحدة ترى في الحوثيين "طرفاً منخرطاً" أم "تهديداً وجودياً" للسلام؟
- لماذا تتجاهل بيانات المبعوث الأممي اعتداءات الحوثيين على الموانئ والممرات البحرية؟
- ما سر التوقيت المتكرر لتحذيراته عقب أي تحرك عسكري ضد الحوثيين؟
- لماذا لا يسمي المبعوث المعتدي باسمه؟
- هل باتت الحديدة خطاً أحمر لحماية الانقلاب؟
- وأي مصداقية يمكن أن يحملها حديث عن السلام بينما تتقاسم الأمم المتحدة المسؤولية في تعويم الحوثي؟
تقرير...
في الوقت الذي يشهد فيه البحر الأحمر توتراً متصاعداً بفعل الاعتداءات الحوثية المتكررة على السفن والموانئ، يطلّ المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، بتصريح "تحذيري" لا يكاد يُخفي انحيازه للمليشيا الحوثية، حين يصبّ جام انتقاداته على الضربات الأمريكية التي استهدفت مواقع حوثية في محافظة الحديدة، متجاهلاً – عن عمد أو تهاون – أصل الأزمة وجذر التصعيد.
غروندبرغ، في بيانه الأخير، عبّر عن "قلقه البالغ" من الغارات التي استهدفت ميناء رأس عيسى ومحيطه، محذراً من "آثارها على المدنيين وسائقي الشاحنات والمنشآت الحيوية"، دون أن يتطرق – لا من قريب ولا بعيد – إلى استخدام الحوثيين لهذا الميناء في إطلاق طائرات مسيرة وزوارق مفخخة لاستهداف الملاحة الدولية، وهو ما أكدت عليه تقارير أمريكية وبريطانية مرارًا.
انحياز لغوي يكشف التواطؤ الناعم
لغة البيان بحد ذاتها توحي بتعميم مريب، تساوي بين المعتدي والمدافع، بل وتُصوّر الرد على هجمات الحوثي كأنه تهديد للسلام. فبينما يتحدث غروندبرغ عن "هجمات متبادلة"، يتجنب استخدام مصطلحات دقيقة لوصف الأعمال الحوثية: لا ذكر للإرهاب، ولا توصيف للحوثيين كميليشيا، ولا حتى اعتراف بدورهم كمُفجّر للتصعيد.
هذا التغافل لا يمكن قراءته إلا كامتداد لنمط ثابت من البيانات الأممية التي تعاني من "التحفظ الانتقائي"، حيث يُلام كل طرف إلا الحوثيين، وتُجرّم كل استجابة عسكرية إلا تلك التي تأتي من صنعاء، في مشهد يكرس واقعاً مريراً من التواطؤ الرمادي.
المقاربة الأممية.. تكرار لعقيدة الفشل
ليست هذه المرة الأولى التي يتحرك فيها المبعوث الأممي عند أول قصف يستهدف الحوثيين، بينما يلوذ بالصمت إزاء عمليات القنص وزراعة الألغام وشن الهجمات على حدود وموانئ الجنوب والسفن الدولية. وهو ما يعيد إلى الأذهان الأداء ذاته الذي اتسم به مبعوثون سابقون، عجزوا – أو امتنعوا – عن تسمية الجهة التي أفشلت مرارًا محادثات السلام.
إن الحديث عن ضرورة "وقف الهجمات في البحر الأحمر" من دون تقديم ضمانات لردع الحوثيين، ليس سوى وصفة لتجميد الردع العسكري وإعطاء الميليشيا فرصة لإعادة التموضع، وهي الوصفة ذاتها التي أجهضت كل مساعي الحسم على مدى سنوات.
هل تجاوز غروندبرغ حدود الحياد؟
ليس من مهام المبعوث الأممي الدفاع عن طرف أو الترويج لأجندة، ولكن حين يختزل الأزمة في "دعوة لضبط النفس" بعد استهداف مواقع إطلاق صواريخ ومسيرات، دون الإشارة إلى مسؤولية الحوثيين، فإنه بذلك يعيد تدوير الخطاب الدولي الذي يريد "سلاماً لا يزعج الحوثي".
ولعل الأخطر من ذلك، هو ما تحمله هذه البيانات من رسائل ضمنية تشجع الحوثي على المضي في مشروعه، مستندًا إلى غطاء دولي يرى في الرد عليه "تصعيداً"، وفي التهدئة معه "مساراً سياسياً".
مصداقية الأمم المتحدة على المحك
إذا أرادت الأمم المتحدة أن تحافظ على ما تبقى من مصداقيتها في الملف اليمني، فعليها أن تتخلى عن ازدواجية الخطاب، وتكف عن حماية الانقلابيين بلغة دبلوماسية ناعمة. أما استمرار تجاهل دور الحوثي كمصدر أول للعنف في اليمن والبحر الأحمر، فلن يفضي سوى إلى تقويض ما تسميه الأمم المتحدة "عملية السلام"، وتحويل المبعوث نفسه إلى أحد أعمدة الفشل السياسي لا بوادر الحل.