عن لقاء ممثلي الانتقالي وفصيل طارق عفاش
كتب/ عيدروس نصر
يمكن النظر إلى اللقاء الرسمي الذي جرى مؤخراً بين وفد المجلس لانتقالي الجنوبي برئاسة اللواء عيدروس الزبيدي رئيس المجلس - عضو مجلس القيادة الرئاسي، ووفد الفصيل المؤتمري الذي يتزعمه اللواء طارق عفاش قائد ما يسمى بــ"حُرَّاس الجمهورية" عضو المجلس الرئاسي، من زوايا عديدة، لربما تطلبت أكثر من وقفة وأكثر من تناولة، بيد إننا في هذه الوقفة العاجلة يمكن أن نتناول بعض القضايا الرئيسية المتعلقة بهذا اللقا.
قد لا يكون هذا هو اللقاء الأول بين الطرفين الذين يمثلان كل من الجنوب والشمال، لكنه الأول الذي جرى الإعلان عنه وتناقلته المراكز والمنابر الإعلامية للفصيلين كما تناولته مختلف الوسائل الإعلامية المحلية والإقليمية، وهذا وحده له من المدلول السياسي ما لا تخطئه عين.
فمن حيث المبدأ لا يمكن الاعتراض أو التحفظ على مثل هذه اللقاءات، لكن أهمية اللقاءات (أي لقاءات) لا تكمن في مجرد انعقادها بل في ما ستقف أمامه من قضايا، والأهم ما ستخرج به من نتائج.
وسيكون من غير الدقيق الرهان على نتائج نهائية واتفاقيات مباشرة في أول لقاء (جنوبي-شمالي) يعقد بشكل رسمي بين فصيلين يمثلان الطرفين، لكنه يمكن للقاء كهذا أن يضع العناوين الرئيسية لرهانات المستقبل، وبعبارة أخرى فإن ما سيكون قد تم التطرق إليه من قضايا يمكن أن يبين مدى جدية كل من الطرفين في التوجه نحو تفكير سياسي جديد، وسياسات واقعية-عقلانية جديدة تستوعب عِبَرَ ودروس الماضي وأسباب كوارثه وانتكاساته، ووضع المرهم على الجرح الذي لا بد أن الجميع بما في ذلك صانعوه، قد عانى من آلامه واكتشف أسبابه.
الأسئلة التي تدور في إذهان المهتمين بالمشهد اليمني، وثنائية الجنوب والشمال عديدة ومتشعبة، لكن الجنوبيين المسحوقين تحت عجلة الحروب المختلفة ومنها حرب الخدمات وسياسات التجويع المتواصلة والمتفاقمة منذ العام 2015م، قد لا يهتمون كثيراً بالخطاب السياسي وقاموس المجاملات اللفظية والابتسامات البروتوكولية بقدر اهتمامهم بالعنوان الرئيسي لنضالهم المتواصل منذ 7/7/1994م والذي قدموا من أجله عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى وهو: استعادة الدولة الجنوبية (الذي يتضمن وبصورة أوتوماتيكية عودة الدولة الشمالية) بحدود 21 مايو 1990م.
وفي هذا السياق سيكون من البديهي الإقرار وبصورة نهائية لا تقبل التسويف ولا المواربة بخطيئة حرب 1994م على الجنوب وكل ما ترتب عليها من تداعيات إنسانية وسياسية واقتصادية واجتماعية وحقوقية، وبالتالي التقدم بمشروع متكامل لتبني سياسة جديدة تبدأ برد الاعتبار لضحايا جميع الصراعات الشمالية الجنوبية منذ العام 1990م ولا تنتهي بتعويض المتضررين من جراء هذه الحرب وتداعياتها، سواء من ضحايا الاستبعاد الإقصاء والتشهير والتشويه والقتل والقمع والتنكيل والمحاكمات الصورية من نشطاء ممن سموا بـ"قادة الانفصال" وقادة وناشطي الحراك السلمية الجنوبية وغيرهم ممن عانوا من التشرد والضياع والتجاهل والتهميش وانتقاص الحقوق ومنها حق المواطنة أو ممن تعرضت حقوقهم وممتلكاتهم ووظائفهم للنهب والسلب والبيع والاتجار ومن عانوا من الحرمان من أبسط متطلبات الحياة في حين ينهب المنتصرون ثروات بلادهم ويعبثون بخيراتها تحت سمع وبصر الجميع.
وحتى لا يزايد المزايدون باتهام الجنوبيين بذلك النوع من الاتهامات الجاهزة (بالابتزاز أو طرح شروطٍ تعجيزية) نقول إن هذه الأسئلة التي يطرحها غالبية المواطنين والناشطين السياسيين الجنوبيين، هي عناوين لاختبار حسن النوايا، واستكشاف ماذا يريد الطرف الشمالي من مثل هذا النوع من الاتصالات.
فإذا ما بدا من الشريك الشمالي ما يؤكد جدية أقطابه الرئيسية في التعاطي مع هذه الملفات الواضحة لكل ذي عينين والتعطي بواقعية بعيداً عن التعالي والعجرفة وغرور المنتصرين (المهزومين) فإنه يمكن الرهان على تفاهمات قادمة قد تفضي إلى عمل مشترك قادم من أجل الشعبين والدولتين المستقبليتين الشقيقتين في اليمن، أما إذا كان طارق ومن يمثلهم يبحثون عن بيادق جنوبية تتولى تحرير الشمال من الجماعة الحوثية التي سلموها دولتهم وجيشهم وأرضهم وعجزوا عن مواجهتها، والتصدي لمشروعها العنصري المقيت، فليعلم الجميع إن الذاكرة الجنوبية تكتظ بعشرات الدروس والذكريات المريرة، التي إن نساها فردٌ أو بعض الأفراد فلن تنساها اجيال الجنوبيين المتوالية منذ اتفاق 30 نوفمبر 1989م وبيان 22 مايو 1990م مروراً بوثيقة العهد والاتفاق في فبراير 1994م حتى اتفاق الرياض في نوفمبر 2019م ومخرجات مشاروات الرياض أبريل 2022م، التي لم يحصد منها الجنوبيون إلا الخديعة والغدر وحروب الاستئصال والاجتثاث وسياسات التجويع وإعدام الخدمات ونهب المرتبات، وتجييش ملايين النازحين الشماليين على عدن وبقية محافظات الجنوب للقيام بمهمات قادمة لن يعجز عن رؤيتها حتى العميان.
ولن ينسى الجنوبيون ما تولاه أسلاف هؤلاء النازحين في حرب 2015م حينما تحول المتسولون وبالباعة المتجولون وعمال البسطات وغيرهم إلى قناصة محترفين أعدموا الآلاف من الأطفال والنساء والعجزة من المدنيين الجنوبيين.
نحن لا ندعو إلى التيئيس أو التشكيك لكننا ندعو إلى التعامل بمهارة وحذر ويقين ووضع النوايا الحسنة حيث يجب أن تكون، وقديماً قيل "إن الطريق إلى جهنم مفروشٌ بالنوايا الحسنة" ويقول أبناء الشعب البسطاء "إن من يلسعه الثعبان يهاب الحبل"، فما بالناء عندما يكون التعامل ليس مع مجرد حبال بل ومع أحفاد الثعابين؟!!