رسائل في طريق السلام... رؤية فكرية من منطلق القرآن الكريم
حدث اليوم - كتب -المستشار أحمد عبد الله الوالي
الحلقة الأولى؛ *السلام ومحور بدايته:*
*المحور* الأول؛ محور النظر إلى الذات:
لا شك أن السلام بمفهومه الواسع يضمن العيش الرغيد للإنسان ويكفل له أحقية ممارسة صلاحياته الفطرية والفكرية والثقافية بل يكون المظلة التي تحمي النشاط العام للإنسان.
ومن هنا أردت أن أنبه إلى المركز الأساسي الذي يقع عليه عبء نشر السلام والمحافظة عليه.
إن أول محور يرتكز عليه السلام هو الإنسان نفسه لأنه محور الحياة الأرضية وهو مناط التكليف الإلهي لتطبيق شريعة الرب جلال جلاه. وقبل حديثي عن هذا المحور وما يستدعيه من ظلال فأود أن أقف قليلا حول مفهوم السلام.
*مفهوم السلام:*
١- السلام: اسم من أسماء الله تعالى ومعناه ذو السلامة مما لا يليق به. أو هو ذو السلام على عبادة في الجنة.
قال الله تعالى:
**هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡقُدُّوسُ ٱلسَّلَٰمُ ٱلۡمُؤۡمِنُ ٱلۡمُهَيۡمِنُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡجَبَّارُ ٱلۡمُتَكَبِّرُۚ سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشۡرِكُونَ **(٢٣).الحشر.
٢- السلام: وصف للجنة؛ قال تعالى_*: ﴿لَهُم دارُ السَّلامِ عِندَ رَبِّهِم وَهُوَ وَلِيُّهُم بِما كانوا يَعمَلونَ﴾*_ [الأنعام: ١٢٧]
٣-السلام: دعاء الرسالة الربانية للبشر؛ قال تعالى على لسان موسى وهارون في دعوتهما لفرعون: **﴿وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الهُدى﴾ **[طه: ٤٧].
٤- السلام: بالسلام نطق المسيح عيسى في المهد وهو يبرئ أمه البتول مريم رضي الله عنها مما تجهم قومها به عليها؛ قال تعالى: *﴿وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَومَ وُلِدتُ وَيَومَ أَموتُ وَيَومَ أُبعَثُ حَيًّا﴾* [مريم: ٣٣].
٥- السلام: مصطلح عالمي اليوم يعني نشر الوئام والمحبة بين بيني البشر وبذل الغالي والنفيس في سبيل ذلك.
ومن خلال ما سبق نعرف أهمية السلام وتجذره في الحياة البشرية فربها عز وجل هو السلام والسلام دار النعيم والسعادة والسلام قاعدة الرسالة السماوية وبالسلام نطق المرسلون.
ولأجل السلام واستمراره بين بني البشر فإني أركز على أمور ينبغي المحافظة عليها من قبل الفرد؛ أبرزها:
*أولا- الفطرة السوية:*
إن الإنسان مخلوق عجيب الأطوار بديع في صنعه، وقد كرمه الله تعالى على سائر المخلوقات بأمور كثيره منها: العقل والفطرة.
*والعقل* هو أساس التكليف ووسيلة التعامل البناء في المجتمع؛ والمحافظة عليه تكون منذ الصغر بأن يعلِّم الأبوان ابنهما كل ما ينفع ويعينه على إدارك الأشياء والتفاعل معها إيجابيا. ومع الوقت يدخل الولد المدرسة وينمو تفكيره وإدراكه بسبب المنهج الدراسي ودور المعلم في ذلك؛ فكان الاهتمام بالمدرسة ومتابعة التلميذ أمرا أساسيا في تحقيق السلام بصناعة عقول التلاميذ صناعة ثقافية تتناسب مع أهداف المجتمع السوي.
أما *الفطرة* فهي أمر مهم إلى جانب العقل وهي التي تميز الإنسان في سلوكه ووجدانه عن غيرة من المخلوقات الأرضية؛ والفطرة بمفهومها الإجمالي هي الملَكة الداخلية التي تحَّسن الحسن وتقبِّح القبيح.
والمحافظة عليها تكون أولًا بالتوافق بين الزوجين السويين في تحديد مسار حياتهم حسب تعاليم السماء. ثم بإحاطة مولودهما ببيئة نظيفة خالية من تعلقات الهوى والشبهات والشهوات العدوانية.
وقد أكد ربنا سبحانه وتعالى على هذه الفطرة وأنها الأساس السليم في فهم ما يسعد الإنسان ويضمن نشر السلام وتعرِّف الإنسان بالتصور السليم تجاه ربه تبارك وتعالى وتجاه الكون وتجاه بني جنسه؛ فقال:
*﴿فَأَقِم وَجهَكَ لِلدّينِ حَنيفًا فِطرَتَ اللَّهِ الَّتي فَطَرَ النّاسَ عَلَيها لا تَبديلَ لِخَلقِ اللَّهِ ذلِكَ الدّينُ القَيِّمُ وَلكِنَّ أَكثَرَ النّاسِ لا يَعلَمونَ﴾ [الروم: ٣٠].*
ومن هذه الآية نستشف مرتكزات مهمة تقوم عليها برامج مفاهيم السلام؛ منها:
١- سيطرة الإنسان على نفسه سيطرة رشد تمكنه من اتخاذ القرار السليم.
٢- تحديد الاتجاه الصحيح وهو استقبال أوامر الله تعالى بالكلية وإحاطتها بالأهمية.
٣- الأصل في كل إنسان السلامة الباطنية والنظافة الفكرية وهما الأمر الذي ارتضاه الله سبحانه لبني البشر وجبلهم عليهما.
٤- الإيمان بالله تالى معبودا لا شريك له والأخذ الحسن بتطبيق أوامره واجتناب نواهيه طريق السلامة في الدنيا والآخرة.
٥- حياة الناس لا تصلح أبدا بدون مراعاة الحاجة الروحية والحاجة الاجتماعية وكل ذلك مكفول بالرسالة السماوية الحقة.
٦- لا يفهم أسس الصلاح والسلامة إلا من رزقه الله تعالى فهما وعلما وسلوكا حسنا.
٧- على البشر احترام الطبقة المتعلمة التي أخذت على عاتقها تحمل مسئولية العلم وتعليمه للناس.
٨- الآية تضع للناس أمرين مهمين وثالثا رديفا لهما كخارطة نجاة الأول عناية المرء بنفسه وسلوكه السوي تجاه ربه ونفسه ومجتمعه. والثاني تقدير العلماء والأخذ بكلامهم. والثالث الابتعاد عن مصادر الجهل المتفشية في الكوكب
ومما سبق نستطيع أن نفهم أهمية السلام واتخاذ البداية المناسبة لخطى السير السليمة. وبالله تعالى التوفيق.