رسائل في طريق السلام رؤية فكرية من منطلق القرآن الكريم

رسائل في طريق السلام رؤية فكرية من منطلق القرآن الكريم

حدث اليوم - بقلم المستشار أحمد عبد الله الوالي

الحلقة الثالثة؛ *العقل السليم في الجسم السليم.*

قد يتساءل القارئ ما الارتباط بين السلام والتغذية الجسدية السليمة؟!.

إن هذا التساءل في محله ويضع بين أيدينا عدة نقاط مستوحاه من الإحابة عليه فالسلامة تتوافق طرديا مع الحلال وعكسيا مع الحرام؛ هي:

١- إن الجسم السوي هو مصدر التفاعل الإيجابي في الجتمع.

٢- إن التزام الإنسان بحدود الطعام الحلال قاعدة في تكوين السلوك الأخلاقي في المجتمع.

٣- التزام الإنسان بالمحافظة على جسديا مدعاة لسلوك الطريق السوي في تحصيل الرزق. 

هذا وإن من فضل الله تعالى على البشر أن خلق لهم ما يشبع غرازئهم الجسدية على أحسن ما يكون وأفضل ما يمكن، والله عز وجل هو الخالق ويعلم حاجتنا إلى التغذية الجسدية، فخلق لنا الطيبات المتنوعة وأباح لنا الأخذ منها حسب حاجتنا؛ *﴿يا أَيُّهَا النّاسُ كُلوا مِمّا فِي الأَرضِ حَلالًا طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعوا خُطُواتِ الشَّيطانِ إِنَّهُ لَكُم عَدُوٌّ مُبينٌ﴾* [البقرة: ١٦٨]. وهنا نرى سعة رحمة الله تعالى بنا ورأفته فأباح لنا كل ما في الأرض من نبات ???? وثمار وحيوان لكن جعل لذلك حدودا حتى ما نقع في الحضور وهذه الحدود سأناقشها من الخلال العنوان التالي:

١- الطعام الحلال مطلب الإنسان السوي .

الحلال عكسه الحرام وهما طرفا شهاع لا يمكن أن يلتقيا لحال من الأحوال.

والحلال هو الذي ارتضاه الله تعالى طعاما للإنسان ووصفه بالطيب؛ فقال سبحانه: *حَلالًا طَيِّبًا*. وعكس الطيب الخبيث،

والطيب هو الدي يتوافق مع صحة الإنسان وينميها بعكس الخبيث الذي يضر الصحة ويُنكسها.

وهذا الطيب لها حدود في الاستعمال اذلك نجد ربنا يقول بعدما أهبرنا عن الحلال الطيب؛ 

 *وَلا تَتَّبِعوا خُطُواتِ الشَّيطانِ إِنَّهُ لَكُم عَدُوٌّ مُبينٌ.* 

وذلك أن الشيطان تعرض لأبينا آدم وأمنا حواء في الجنة وأغواهما في أكل الشجرة المحرمة؛ فكانت النتيجة أن الله تعالى عتب على آدم وأهبطه من اللجنة ليعيش حياة الاختبار الطويل والصعب في الدنيا ليعود إليها وقد تهذبت نفسه، وزال عنه وعن ذريته حظ الشيطان منهم.

إذن نحن أمام طيبات الأرض وقد أحلها الله لنا لكنه اشترط علينا أن نجتنب خطواة الشيطان؛ والسبب في ذلك هو العداء الدائم بيننا وبين الشيطان. وقد جعل الله تعالى طريقه واضحا لا عماء فيها فإن الله تعالى لم يقل لا تتبعوا طريق الشيطان بل قال خطوات الشيطان؛ وفي هذا التعبير دلالة واضحة أن السائر في الحرام يسير على علم به فهو يرى خطوات الشيطان ويسير على إثرها. وواضح أنه لو رأى الشيطان بصورته لن يتبعه لكنه يرى خطوات الشهوات والملذات السلبية التي توافق الهوى.

٢- الهدف من الحلال:

إن غاية الإنسان الطبيعي أن يعيش بسلام ويتفاعل مع السلام بسلام وهدفه في ذلك نشر السلام والمحبة وبناء حضارة رغيدة تكفل للبشر الخير والتعاون في العمل البناء.

ومن هنا كان السعي للبحث عن الحلال والتزام حدوده مصدرا آمنا لتثبيت دعائم الخير في المجتمع. وفي الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ أَحْبُلَهُ، فَيَأْتِيَ الْجَبَلَ فَيَجِيءَ بِحُزْمَةِ حَطَبٍ عَلَى ظَهْرِهِ، فَيَبِيعَهَا فَيَسْتَغْنِيَ بِثَمَنِهَا، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ، أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ ". رواه ابن ماجة/١٨٣٦.

ولا شك أن الإنسان الطالب لاحلال هو ذلك الذي يسعى لإيجاد طعامه بالطريق الحلال كما أرشدنا إليه الحديث الآنف الذكر. ومن هنا لن نجد عاطلا عن العمل، بل سنجد مجتمعا متعاضدا كل شخص فيه يعمل عمله المناسب لكسب الحلال.

وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من أكل الحرام فقال:

"إِنَّهُ لَا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلَّا كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ ". صحيح. رواه الترمذي/614.

وليس بعد هذا التحذير من تحذير ⚠️ إذ عاقبة الطعام الحرام النار.

 

٣- عاقبة الحرام:

إن الذين يتهاونون في تحري الحلال وينغمسون في أكل الحرام يعرضون أنفسهم في الدنيا للبلاء المهدد لحياة السلام؛ وهذا التهديد على الدنيا بل إنه سيبقى في الآخرة؛ قال تعالى: ﴿كُلوا مِن طَيِّباتِ ما رَزَقناكُم وَلا تَطغَوا فيهِ فَيَحِلَّ عَلَيكُم غَضَبي وَمَن يَحلِل عَلَيهِ غَضَبي فَقَد هَوى﴾ [طه: ٨١]. 

إن الإنسان المتجاوز للحدود -وهذا هو معنى الطغيان- يتسبب في أكبر كارثة وهي إحلال غضب الله تعالى الجبار جل وعلا والسقوط في الهاوية.

وإن ما حل بقوم سبإ لنموذج واضح على هذا الطغيان فقد أكرمهم سبحانه وتعالى بالطيبات التي صورها القرآن بقوله تعالى:

﴿لَقَد كانَ لِسَبَإٍ في مَسكَنِهِم آيَةٌ جَنَّتانِ عَن يَمينٍ وَشِمالٍ كُلوا مِن رِزقِ رَبِّكُم وَاشكُروا لَهُ بَلدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفورٌ﴾ [سبأ: ١٥].

لكنهم أبوا إلا أن يكفروا بنعمة ربهم فاستحق العقاب؛ قال تعالى: ﴿فَأَعرَضوا فَأَرسَلنا عَلَيهِم سَيلَ العَرِمِ وَبَدَّلناهُم بِجَنَّتَيهِم جَنَّتَينِ ذَواتَي أُكُلٍ خَمطٍ وَأَثلٍ وَشَيءٍ مِن سِدرٍ قَليلٍ﴾ [سبأ: ١٦].

ومن هنا يتبين لنا أننا علينا أن نحافظ على الأمن الخاص والأمن العام وذلك يكون من خلال التالي:

شكر الله وطاعته على نعمه التي لا تحصى.

 تحري الحلال والابتعاد عن الحرام.

 لزوم الحدود الشرعية في الكسب الحلال واحترام الحقوق الكلية.

٤- الفرق بين الحلال والحرام:

إن الفرق بين الحلال والحرام شاسع جدا كبعد السماء عن الأرض ???? أو كاللون الأبيض والأسود أو كالحياة والممات؛ وذلك أن الحلال طيب والحرام خبيث.

وهذه بعض الفروق:

الحلال مرضاة لله، والحرم سبب لغضب الله تعالى.

الحلال عافية وبركة، الحرام مرض وبلاء.

الحلال يساعد في تثبيت الأمن والحرام عكسه.

الحلال جمال وصورة بهية، والحرام قبح وعيب وصورة بشعة.  

٥- تنوع صنوف الحلال:

إن الحلال متنوع في صنوفه ومتعدد مما يجعل المرء يعيش في سعادة ورضا؛ قال تعالى:

 ﴿وَهُوَ الَّذي أَنشَأَ جَنّاتٍ مَعروشاتٍ وَغَيرَ مَعروشاتٍ وَالنَّخلَ وَالزَّرعَ مُختَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيتونَ وَالرُّمّانَ مُتَشابِهًا وَغَيرَ مُتَشابِهٍ كُلوا مِن ثَمَرِهِ إِذا أَثمَرَ وَآتوا حَقَّهُ يَومَ حَصادِهِ وَلا تُسرِفوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُسرِفينَ﴾ [الأنعام: ١٤١].

وقال سبحانه: ﴿يا أَيُّهَا النّاسُ كُلوا مِمّا فِي الأَرضِ حَلالًا طَيِّبًا﴾ [البقرة: ١٦٨].

وفي تنوع صنوف الحلال التي لا يمكن إحصاؤها سد لباب الحرام تماما.

٧- تلازم العقل السليم مع الجسم السليم: 

أننا اليوم نشاهد النباتات التي تتغذى على ماء ???? ملوث يؤثر ذلك سالبا على ثمارها وشكلها وطعمها؛ وهكذا الحال مع البشر فالغذاء الحرام سواء كان في مصدره حراما أم في عينه يؤثر على بهاء المرء وجماله بل وعلى صحته وبحوث الأطباء كثيرة حول ضرر الخمر والخنزير وأكل الخفافيش وغيرها.

وهكذا نعرف أن السلام بحاجة إن أن يضبط الإنسان سلوكه وأن يحافظ على تغذية جسده تغذية سليمة صحيحة يتميز عندها بالتوازن السلوكي والحركي ويعود على الإنسانية بالخير واليمن والبركات.