النخعي يكتب..العُزلة في زمن الفِتَن
حدث اليوم/بقلم/حافظ النخعي
{العُزلة في زمن الفِتَن}
في زمنٍ تتلاطم فيه الفتن كما تتلاطم الأمواج في بحرٍ مظلمٍ عميق، وتتنازع فيه الأصوات والاتجاهات، حتى غدت القلوب كقوارب تائهة في محيطٍ لا قرار له، يُغشاه موجٌ من فوقه موج، تعلوه سُحُبُ الغواية والاضطراب. زمنٌ جعل الحليم حيران، والعاقل في دهشةٍ مما يرى ويسمع ويُذاع.
صراعاتٌ سياسيةٌ تنهش الأوطان، وولاءاتٌ حزبية تمزق الصفوف، ومناكفاتٌ دعوية تشوّه معاني الدين، وحروبٌ دموية وإعلامية تُوقد نارها على موائد المصالح وتُطفئها على حساب المبادئ.
تتوالى الهجمات على هذه النفس المرهَقة من كل جانب، حتى ليكاد العقل أن يطيش، ويكاد القلب أن يُصاب بالإعياء من كثرة ما يُعرض عليه من مشاهد تقطع نياط الوجدان. وإن فتحت أُذُنك لكل هذا الضجيج، مات قلبك، وانطفأت فيك روحُ التأمل، وانغلق عقلك عن الإبداع والإنتاج، وغرقت في عتمةٍ لا يُهتدى فيها إلى نور.
نحن نعيش اليوم في فوضى لم يعرفها تاريخنا المعاصر، فوضى تسري في كل مفصل من مفاصل الحياة: في الفكر، في السلوك، في القيم، وحتى في المشاعر. الكل يزعم أنه صاحب الحق المطلق، وأنه النور المبين، وأن ما يقوله هو الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وما أكثر من يردد: "الحق ما قالت حذامِ!"
وفي خضم هذا الضجيج، لا دواء أنفع من العزلة، لا هروبًا، بل تطهيرًا؛ عزلةٌ تُنقِّي القلب، وتُهذّب اللسان، وتحفظ للنفس سلامتها.
فكن نقيًّا في قلبك، طيّبًا في قولك، عفيفًا في لسانك، سليمًا في صدرك، بعيدًا عن المهاترات، مُعرضًا عن السفهاء. فالوقت قصير، والعمر يمضي، وكلنا على موعدٍ مع العزيز القدير.
ولهذا أقول
حياتي في زمان الشر طاعة
وبيتي جنتي، فيه السماحة
أصون النفس من قيلٍ وقالٍ
ومن فتنٍ تدور بكل ساحة
حافظ النخعي









