في ذكرى 14أكتوبر.. تتجدد العهود وتُروى حكاية الأبطال

في ذكرى 14أكتوبر.. تتجدد العهود وتُروى حكاية الأبطال

حدث اليوم/مقال/محمود الميسري 

في الرابع عشر من أكتوبر عام 1963م، دوّى صوت الحرية من جبال ردفان الشمّاء في جنوب اليمن، معلنًا انطلاق شرارة الثورة ضد أعتى إمبراطورية استعمارية في ذلك الزمن الإمبراطورية البريطانية التي جثمت على صدور أبناء الجنوب لأكثر من 129 عامًا.

كانت تلك اللحظة التاريخية ميلادًا جديدًا لأمةٍ أبيّةٍ رفضت الذل والخضوع، وفتحت صفحةً مجيدة في سجل النضال الوطني اليمني والعربي.

لم تكن ثورة 14 أكتوبر وليدة صدفة، بل جاءت تتويجًا لتراكم نضالي طويل قاده المناضلون في مختلف مناطق الجنوب، منذ انتفاضة الحسيني في لحج، إلى مقاومة أبناء عدن ضد الاحتلال.

غير أن الشرارة الأولى اشتعلت من جبال ردفان بقيادة الشهيد راجح غالب لبوزة، الذي قاد كفاحًا مسلحًا ضد المستعمر في الجنوب.

وبرغم من أن استشهد لبوزة في أول يوم للثورة، لكنه كتب بدمه أول سطر في ملحمة الحرية، وأصبح رمزًا خالدًا للتضحية والفداء.

ما ميّز ثورة أكتوبر عن غيرها من الثورات هو اتساعها الشعبي ووحدتها الوطنية؛ فقد شاركت فيها مختلف فئات المجتمع الجنوبي — من الفلاحين والعمال والمعلمين إلى النساء والشباب.

توحّدت الأصوات والهتافات من ردفان والضالع إلى أبين وشبوة وحضرموت وعدن، فكان الجنوب كله جبهة واحدة في وجه الاستعمار، تتغذى عزيمته من إيمانٍ عميق بالحرية والكرامة.

ومن مميزات ثورة 14 من اكتوبر بأنها حظيت الثورة بدعم واسع من الدول العربية، وعلى رأسها جمهورية مصر العربية بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر، الذي فتح أبواب التدريب والسلاح والإعلام للثوار.

وبفضل صمود المقاتلين وضغط المقاومة، اضطرت بريطانيا إلى الجلوس على طاولة المفاوضات، لتعلن في الثلاثين من نوفمبر عام 1967م انسحابها الكامل من الجنوب، وإعلان قيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، كأول دولة عربية تنال استقلالها بعد الجزائر في ستينيات القرن الماضي.

لهذه فإن ثورة الرابع عشر من أكتوبر اليوم تعد مدرسة نضالية للأجيال، تُذكّرهم بأن الحرية لا تُمنح، بل تُنتزع بالإرادة والصمود.

ولم تكن الثورة مجرد حدث سياسي، بل كانت تحوّلًا اجتماعيًا وثقافيًا عميقًا غيّر ملامح الجنوب، وأسّس لقيم العدالة والمواطنة والتنوير.

وفي كل عام، يعود أبناء الجنوب ليحيوا ذكراها وفاءً للشهداء وتجديدًا للعهد بأن تظل راية الجنوب مرفوعة بالحرية والكرامة.

وفي الختام...

ستظل ثورة 14 أكتوبر المجيدة علامة مضيئة في تاريخ جنوب اليمن خاصا واليمن عامه والجزيرة العربية، ودرسًا خالدًا في أن الشعوب مهما طال ليلها لا بد أن تشرق عليها شمس الحرية.

من ردفان انطلقت الشرارة، ومن دماء الأبطال سُقيت أرض الجنوب حتى أثمرت استقلالًا وكرامة، لتبقى أكتوبر نبراسًا يهدي الأجيال نحو مستقبلٍ يليق بتضحيات الأجداد.