كيفية استعادة دولة الجنوب الفيدرالية

كيفية استعادة دولة الجنوب الفيدرالية

حدث اليوم - كتب - معاذ فيزان 

تمرّ الساحة الجنوبية اليوم بمرحلة حساسة ومفصلية، محمّلة بمتغيرات سياسية واقتصادية متسارعة، وضغوط إقليمية ودولية متشابكة، وانقسامات داخلية تحاول بعض القوى الاستثمار فيها لإرباك المشهد. ورغم كل ذلك، يظل مشروع استعادة دولة الجنوب الفيدرالية الجديدة خياراً إستراتيجياً لشعب الجنوب، وهدفاً تتقدم به الإرادة الشعبية قبل القرار السياسي.

وفي ظل هذه اللحظة الحرجة، يتصدر المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي مهمة إدارة الأزمة الراهنة، مستنداً إلى الشرعية الشعبية التي منحته تفويض حماية الجنوب وترتيب مسار العودة إلى الدولة.

أولاً: إدارة الأزمة.. بين الواقعية السياسية والثبات على الهدف

قوة المجلس الانتقالي لا تُقاس فقط بما يمتلكه من حضور سياسي، بل بقدرته على التعامل مع المتغيرات دون التنازل عن الثوابت.

الرئيس الزُبيدي قدّم في الأسابيع الأخيرة نموذجاً واضحاً في إدارة الأزمة، قائماً على ثلاث ركائز رئيسية:

1. التهدئة وترشيد الخطاب السياسي:

أدرك الانتقالي أن المنطقة تمر بمرحلة إعادة تشكيل واسعة، وأن جرّ الجنوب إلى صدام داخلي هو هدف لأطراف معروفة. لذلك اتجه إلى سياسة ضبط النفس وحماية الجبهة الداخلية.

2. الحضور القوي في المفاوضات:

الدخول بملف متماسك في المسار السياسي، يضع "استعادة الدولة" بنداً رئيسياً وليس ملحقاً ثانوياً، ويجعل الجنوب طرفاً لا يمكن تجاوزه.

3. إعادة ترتيب الميدان الأمني والعسكري:

دعم قواتنا الجنوبية وتمكينها من حماية المحافظات، وتأمين منافذها، ومنع أي اختراق يمكن أن يعيد تكرار مشاهد 2015 أو ما بعدها.

ثانياً: البعد الاقتصادي.. مفتاح الدولة الفيدرالية

لا يمكن الحديث عن دولة جنوبية جديدة من دون إصلاح اقتصادي حقيقي يعيد للجنوب مكانته ودوره كمركز اقتصادي حيوي في المنطقة.

المرحلة الحالية تتطلب:

تمكين المحافظات الجنوبية من إدارة مواردها مباشرة ضمن إطار فيدرالي واضح.

وضع خطة عاجلة لإنعاش الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والمرتبات.

تحريك عجلة الاستثمار في الموانئ والمناطق الحرة، خصوصاً عدن وحضرموت وسقطرى، بما يجعل من الجنوب مركزاً تجارياً إقليمياً.

إصلاح المنظومة الإدارية والمالية ليصبح الجهاز الحكومي قادراً على إدارة دولة وليس فقط تسيير مرحلة.

الرئيس الزُبيدي يدرك أن أي مشروع سياسي بلا قاعدة اقتصادية صلبة لن يصمد، لذلك يأتي تركيزه اليوم على الملفات الإنتاجية والخدمية وليس الشعارات فقط.

ثالثاً: البيئة الجنوبية الجديدة.. فرص وتحديات

تشهد المحافظات الجنوبية تحولات مهمة على مستوى الوعي الشعبي، إذ أصبح المواطن الجنوبي يرى في الدولة الفيدرالية الحل الأكثر واقعية لضمان عدالة توزيع السلطة والثروة، وإدارة كل محافظة لشؤونها في إطار اتحاد جنوبي قوي يحفظ السيادة والقرار.

لكن بالمقابل، هناك تحديات واضحة:

محاولات بعض القوى خلق صراع بين مؤسسات الجنوب.

حملات إعلامية تسعى لتشويه مشروع الاستقلال.

ضغوط اقتصادية خانقة تهدف لإضعاف الإرادة الشعبية.

وهنا يظهر دور الانتقالي في تعزيز الثقة، وتفعيل مؤسسات الأمن والخدمات، وتثبيت إدارة جنوبية خالصة في كل المحافظات.

رابعاً: الطريق إلى الدولة الفيدرالية الجديدة

استعادة دولة الجنوب ليست شعاراً ولا أمنية، بل مشروعاً سياسياً قابلاً للتحقق عبر مسار واضح:

1. تثبيت الأمن وبناء مؤسسات قوية.

2. إدارة موارد المحافظات بشفافية ضمن نظام فيدرالي.

3. توحيد القرار الجنوبي وإغلاق أبواب الصراعات الجانبية.

4. العمل على اعتراف إقليمي ودولي تدريجي بالدولة الجنوبية.

5. إرساء نموذج حكم ناجح يبرهن للعالم أن الجنوب قادر على إدارة دولته بكفاءة.

خاتمة

رغم التحديات، يبقى الجنوب أقرب اليوم من أي وقت مضى إلى استعادة دولته.

القيادة، ممثلة بالرئيس الزُبيدي والمجلس الانتقالي، تسير بخطى متزنة تجمع بين الواقعية السياسية والتمسك بالثوابت.

والمواطن الجنوبي، الذي صبر وقدم التضحيات، يستحق دولة فيدرالية حديثة تمنحه الأمن والكرامة والعدالة والتنمية.

إنها لحظة تاريخية تتطلب الوعي، وحدة الصف، والعمل المؤسسي لضمان أن يكون المستقبل جنوبياً خالصاً، ودولة فيدرالية قوية على أسس حديثة… دولة تليق بالشعب الذي لم يتخلَّ يوماً عن حقه في الحرية والسيادة.