نموذج كارثي .... مطالب شعبية بمحاسبة معين عبدالملك على تقصيره في إدارة الملف الاقتصادي
حدث اليوم - تقرير
تأتي التطورات السياسية الأخيرة التي تشهدها اليمن، عقب إقالة رئيس الحكومة معين عبدالملك وتعيين الدكتور عوض بن مبارك خلفاً له، على وقع مطالبات شعبية واسعة تدعو للتحقيق مع معين عبدالملك ومحاسبته، جراء قضايا فساد أدينت بها حكومته، واتهامات وجهت له تتعلق بإخلاله بالمسؤولية والعبث بموارد الدولة ومقدرات البلاد السيادية.
فمعين عبد الملك الذي تولى رئاسة الحكومة لأكثر من خمس سنوات، جسدت واحدة من أتعس صور المسؤولية وأشدها بؤساً وكارثية، وسجلت حقبة هي الأسوأ في تاريخ البلاد، وفق ما تقوله المعطيات الميدانية وتشهد به الوثائق، ويؤيده مراقبون وسياسيون وباحثون كُثر، من مشارب سياسية واقتصادية وعسكرية يمنية متعددة.
“لم يكن بمستوى التحديات”
فمنذ تسلمه منصب رئيس الحكومة في أكتوبر 2018م، واجه معين عبدالملك العديد من التحديات السياسية والاقتصادية والعسكرية والإنسانية، حيث كانت اليمن حينها ما زالت تكابد تبعات الحرب الحوثية على البلاد، وتعيش تداعياتها على كافة الأصعدة. إلا أن ذلك لم يكن ليعفي معين من إخفاقاته الكبيرة في إدارة شؤون البلاد، وعجزه عن القيام بواجباته الوطنية، وأداء مسؤولياته المهنية، كرئيس وزراء، في وقت تعيش فيه اليمن أسوأ أزمة إنسانية عرفها العالم، بحسب الأمم المتحدة.
إخفاق شامل
أخفقتْ حكومة معين عبد الملك في معالجة الأوضاع الاقتصادية، وفشلت في توفير الخدمات وتحسين حياة المواطنين، كما لم تستطع، طيلة السنوات التي منحت لها، أن توفر بيئة سليمة لتحقيق نمو اقتصادي مستدام، وليس هذا فحسب، بل تواجه حكومة الرجل تهماً بالفساد والإهمال والعبث بموارد البلاد، أما هو شخصياً فمتهم بالعجز والتخاذل والإخلال بالمسؤولية، وبأنه لم يكن على قدر تحديات المرحلة، فبدلاً من انتشال البلاد من أوضاعها البائسة والظروف الصعبة التي جنتها عليها الحرب، راح معين يلعب بمقدرات البلاد، ويسخر الموارد لصالحه الشخصي، وتشكيل “لوبيهات” فساد من أقاربه وأصدقائه ومتنفذين تجمعهم به مصالح مشتركة، مستغلاً تعطيل أجهزة الرقابة، وغياب مجلس القيادة الرئاسي، مخلفاً وراءه تركة ضخمة من الاختلالات والفشل.
محاباة ومحسوبية
وفقاً لتقارير رسمية، تحصل محرر “عدن الإخبارية” على نسخة منها، كانت كثير من الموارد الحكومية تذهب إلى مقربين من معين، كمحاباة وعطايا شخصية يمنحها لهم من خزينة الدولة وأحيانا يقتطعها من الموازنة العامة. وقد كان الرجل يتلاعب في صفقات كبرى تمس المخزون السيادي للبلاد، بحسب ما أفادت به شهادات رسمية جاءت على لسان مسؤولين في أعلى سلطات البلاد، ووثائق صدرت عن مؤسسات رقابية تعمل في أجهزة الدولة.
لا يحفل رصيد معين عبد الملك كرئيس للوزراء في اليمن بأي نجاحات تذكر، ومن خلال رصد بسيط لتقهقر العملة المحلية والحالة المتدهورة التي وصلت لها يتأكد عجز الرجل عن القيام لأي دور لمعالجة الاختلات التي ترفل بها ملفات الدولة الكبرى، حيث وصل معين إلى منصبه وسعر الدولار الأمريكي أقل من 800 ريال يمني، لكنه يغادر اليوم وقد تورم هذا السعر ضعف مما كان عليه في السابق.
وعلى الصعيد الخدمي، تبرز كهرباء العاصمة عدن كأحد الأمثلة لإخفاقات معين عبد الملك. تقارير رسمية وبرلمانية ومهنية سابقة، اتهمت رئاسة الوزراء بتعمد إهمال محطات الكهرباء الحكومية في عدن لصالح المحطات المستأجرة ضمن ما وصفته بـ “صفقات فساد ومصالح مشتركة”.
ليس ملف الكهرباء هو الوحيد لفساد رئيس مجلس الوزراء السابق، بل إن سجله مليء أيضاً بالملفات الشائكة، لا سيما فيما يخص تفاصيل شراء وقود محطات توليد الكهرباء؛ فبحسب ما كشفت مذكرات رسمية، امتنع معين عبد الملك عن اتخاذ أي إجراءات تجاه ما خلص له تقرير رسمي حول التضخم الكبير في ملحقيات السفارات اليمنية في الخارج، وأظهرت المذكرات توجيهات لعضو المجلس الرئاسي أبو زرعة عبد الرحمن المحرمي، في سبتمبر ونوفمبر على التوالي، بتنفيذ الإجراءات المبنية على التقرير الصادر عن لجنة شكلها رئيس الوزراء نفسه، تزامن هذا مع الكشف عن عبث كبير طال برنامج الابتعاث الخارجي بوزارة التعليم العالي.
عرقلة وتعطيل
وفقاً لمصادر مسؤولة، لـ“عدن الإخبارية”، واجّه الوزراء الجنوبيون في حكومة المناصفة، الكثير من العراقيل التي وضعتها إدارة معين عبد الملك أمام مهامهم الوظيفية، وتمثَّلت تلك العراقيل بشكل رئيسي من خلال إنشاء معين عبد الملك لـ “لجان” تتداخل في عملها مع الوزارات المعنية بشكل مباشر.
يُضاف ذلك إلى تصريح صدر عن محافظ العاصمة عدن أحمد حامد لملس، في يونيو 2023، اتَّهم فيه رئيس الحكومة “معين عبدالملك”، باستخدام ملف الكهرباء كأداة لمعاقبة أبناء عدن في وقت عصيب شهد ارتفاعاً حاداً في معدل ساعات انقطاع التيار الكهربائي خلال فصل الصيف الماضي.
واختتم لملس بالتأكيد أن “السلطة المحلية، ومنذ الوهلة الأولى طالبت بتحييد ملف الخدمات عن الصراع السياسي ومازالت تعمل على ذلك، ولكن هناك من لا يزال يصرّ على استخدام هذا الملف كأداة ضغط لتحقيق أهدافه السياسية دون اكتراث لمعاناة المواطن”.
إدانات رسمية
الاتهامات والإدانات لمعين عبدالملك، لم تنحصر على الجهات المحلية والوزارية فحسب، بل تعدت لما هو أكبر من ذلك، حيث اتهم عضو مجلس القيادة الرئاسي عبد الرحمن المحرمي “أبوزرعة”، رئيس الحكومة معين عبدالملك – آنذاك – بأنه يعمل من دون “حس وطني، وهو كثير الكلام قليل الإنتاج”. معتبراً إياه بغير الجاد في أداء مسؤولياته كرئيس للحكومة والقيام بوجباته تجاه الشعب، مشيراً إلى أنه “لو كان جاد في تنفيذ ما يطلب منه لكان الوضع أفضل بكثير مما هو عليه الآن”.
أبو زرعة المحرمي كان قد أكد في وقت سابق، أن هناك “حقائق كثيرة تدين معين على إخلاله بالوظيفة العامة وتفريطه في كثير من الأمور وتأخير الكثير من الإصلاحات وعدم العمل على ترشيد المال العام ومراعاة وضع الشعب”.
مطالبات شعبية
وفي ظل هذه الاتهامات، بدأت مطالبات شعبية ورسمية واسعة بمحاكمة معين عبدالملك ومحاسبته على عجزه توفير الخدمات وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين، وتقصيره عن أداء واجباته الوطنية، وفشله في إدارة الملف الاقتصادي، والنموذج الكارثي الذي قدمه طيلة خمس سنوات كان عنوانها هو الفشل الفساد والعبث والاستهتار.
ومن المهم هنا أن نذكر أن المطالبات بالتحقيق مع معين وتقديمه للعدالة ليست حالات فردية، بل دعوات شعبية ورسمية واسعة، جاءت كجزء من مطالب أوسع للإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي في اليمن، والتي تهدف إلى بناء دولة قوية ومستقرة تخدم مصالح المواطنين وتحافظ على مكتسبات الشعب مقدرات البلاد السيادية.