الدعوة إلى التسوية.. خطوة أخيرة قُبيل إعلان تحالف دولي ضد الحوثيين
حدث اليوم - مقال▪️ حسين المحرمي
نتابع جميعاً تسارع الأحداث والمتغيرات في مسار العملية السياسية في اليمن، والجهود المبذولة من قبل التحالف العربي بقيادة الممكلة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة بدعم من المجتمع الدولي، لإنهاء الحرب، والوصول إلى الحل السياسي الشامل في المنطقة.
جهود مكثفة تبذلها المملكة العربية السعودية في هذا الجانب وبتنسيق ووساطة عمانية، كان آخرها وصول السفير السعودي محمد آل جابر بمعية وفد من الرياض وآخر من مسقط إلى العاصمة اليمنية صنعاء، وإجرائه عدداً من اللقاءات مع قيادة مليشيا الحوثي، ورئاسة ما يسمى بالمجلس السياسي الأعلى التابع للمليشيا، والتوصل إلى مسودة اتفاق بين الرياض وصنعاء لإعادة إحياء الهدنة وإعلان وقف إطلاق النار المنتهية في أكتوبر الماضي، بالإضافة إلى إبداء مليشيا الحوثي موافقتها بالجلوس على طاولة المفاوضات مع الأطراف الشرعية شمالاً وجنوباً، للتفاوض على تسوية سياسية شاملة لإنهاء الصراع، وذلك برعاية أممية.
خطوات عديدة أقدمت عليها المملكة العربية السعودية في الملف السياسي مؤخراً، بغية إنهاء الحرب في اليمن، وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، ففي الوقت الذي وصفت بـ "السريعة" وفي وقت قياسي، إلا أنها كانت مدروسة بالشكل الجيد، ومتسلسلة، ومنسقة، وبرعاية وإشراف دولي وأممي مشترك، انطلاقاً من التنسيق السعودي الروسي والقمة الصينية الخليجية في بداية ديسمبر الماضي، ومروراً باستئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران بوساطة صينية في مارس المنصرم، ووصولاً إلى الرغبة السعودية في التسوية مع الحوثيين، والكشف عن مسودة الاتفاق.
ومع كل هذا وذاك، إلا أن الرياض، وبرغم حرصها على الوصول إلى التسوية السياسية الشاملة مع الحوثيين والسلام الدائم بالمنطقة في أقرب وقت ممكن، إلا أن ذلك لم يمنعها من عمل العديد من الاحترازات لكافة الاحتمالات الأخرى، للحفاظ على الإنجازات العسكرية التي تم تحقيقها خلال ثمان سنوات الماضية، من تلك الاحترازات آلية الاتفاق ومراحله التي توضّح وتفضح نوايا الحوثيين طوال مراحل ذلك الاتفاق التي تمتد إلى نحو ثلاث سنوات على التوالي، وتأكيد السعودية والمجلس الرئاسي بأن أي تصعيد لمليشيا الحوثي خلال تلك الفترة يُعد الاتفاق ملغياً، ويعود الوضع إلى ما كان قبل الاتفاق.
مرافقة صينية روسية وإشراف ورعاية أممية وثّقت كافة الخطوات التي أقدمت عليها المملكة العربية السعودية نحو التسوية السياسية مع الحوثيين، مقدمةً في سبيل ذلك العديد من التنازلات، بهدف الوصول إلى طاولة المفاوضات والسلام الدائم في المنطقة، كإتاحة وتقديم فرصة أخيرة للحوثيين، وقطع كافة الحجج على المليشيا في حال تعنتها وعدم رغبتها في الجنوح للسلام، ليكون عقب ذلك الرد شديداً وقوياً على تلك المليشيا، بتحالف دولي (أممي روسي صيني)، لا عربي فقط، وإدراجها قبل ذلك ضمن قوائم الجماعات المصنفة إرهابياً دولياً.
لجوء المملكة العربية السعودية إلى التسوية السياسية وبرعاية وإشراف أممي ودولي مباشر، يؤكد رغبة الرياض في الخروج من مشاركتها في الحرب بشكل مباشر وقيادتها للتحالف العربي ضد مليشيا الحوثي، وذلك لما تسببت به المليشيا من استهداف مباشر لمناطقها ومنشآتها الحيوية وأثر ذلك على الاقتصاد السعودي والعالمي بشكل عام، وكذا أسباب تنموية عائدة إلى انشغال السعودية بالحرب عن انفتاحها عن العالم وتحقيق أهداف رؤية المملكة التنموية لعام 2030م، بالإضافة إلى عدم جدية ومصداقية بعض الأطراف اليمنية في حربه المليشيا الحوثية وهو ما تسبب في إطالة أمد طوال السنوات الماضية.
تنازلات عديدة قدمها التحالف العربي ومجلس القيادة الرئاسي للحوثيين، للوصول إلى التسوية السياسية الأخيرة، تبدو وكأنها الفرصة الأخيرة، ورصاصة الرحمة لتلك المليشيا، التي اعتادت على نقض المواثيق والعهود واختراق الهدنات الإنسانية طيلة الفترة الماضية، وهو ما يوجب على مجلس القيادة الرئاسي أخذ العديد من الضمانات من التحالف العربي، والدول الراعية للاتفاق، بالردع الفوري والقوي، والخيار العسكري لإلجام تلك الجماعة في حال اختراقها للاتفاق.
كما يجب على القيادة السياسية لشعب الجنوب، ممثلة بالمجلس الانتقالي الجنوبي برئاسة الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُّبيدي، وكلنا على ثقة تامة بها، أخذ العديد من الضمانات الدولية لا سيما الروسية والصينية، وعدم الاكتفاء فقط بالوعود، سواء خلال مراحل الاتفاق، أو الفترة الانتقالية حتى استعادة الحق المسلوب والدولة المغتصبة كاملة السيادة.
رسالة أخيرة، لشعب الجنوب وهي أن يعلموا أن المرحلة المقبلة، هي المرحلة التي من أجلها قدم الشهداء أرواحهم، والمناضلين نضالهم، والصابرين صبرهم، وانتظرناها طويلاً، لذا يجب أن نكون لحمة وصفاً واحداً خلف قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي أكثر من أي وقت مضى، لا سيما في هذه المرحلة المفصلية، ووضع أيدينا بأيدي قيادتنا السياسية، كي تدخل المفاوضات والحل الشامل وهي أشد قوة.