ذكرى المؤتمر الشعبي العامد

ذكرى المؤتمر الشعبي العامد

همس اليراع

في ذكرى المؤتمر الشعبي العامد

د. عيدروس نصر

الحقيقة إنني لم أكن أرغب بالانخراط في مهرجان التطبيل والتهليل والتسبيح والتكبير لمناسبة ذكرى إعلان المؤتمر الشعبي العام وميثاقه الوطني, لكن ما دفعني لهذا هو غزارة الرسائل التي تصلني من عديد  من الزملاء المؤتمريين من القادة والنواب البرلمانيين ومن النشطاء السياسيين والإعلاميين، التي تقدم ذكرى المؤتمر وكأنها ذكرى البعثة النبوية وتقدم الميثاق (الميثاق على وجه الخصوص) وكأنه القرآن الذي أخرج العباد من الظلمات إلى النور.

إنني أتفهم دوافع احتفاء الإخوة المؤتمريين بذكرى مؤتمرهم، فهذا حقهم، لكنني عند ما باركت لأحد الزملاء أضفت له عبارة "يا ريت تجعلوا من المناسبة وقفة لمراجعة تاريخكم واكتشاف أين أخطأتم وأين أصبتم وتشريح الأسباب التي أوقعتكم في الأخطاء والخطايا التي أوصلت البلاد إلى ما وصلت إليه اليوم" – عندما قلت له هذه العبارة استشاط زميلي  غضباً وراح يكيل لي الاتهامات بأنني من الحاقدين على المؤتمر وأنني أتمنى زواله وأنني ومن يشاركني هذه (الحملة كما أسماها)  ضد الشعب والوطن، وغيرها من تلك العبارات التي كان يرددها إعلام السلطة لإرهاب أي شخص ينتقد خطأً أو يشكو ظلماً أو يطالب بحقوق مشروعة.

لم أغضب ولم أنفعل فقد تعودنا من إخوتنا الؤتمريين  إصدار عبارات التهديد والوعيد  عندما كانوا مهيمنين على كل مراكز القوة والسلطة المالية والعسكرية والسياسية، فما بالنا وهم يعيشون أسوأ مأزق في حياتهم السياسية بعد كل العبث الذي مارسوه بحق اليمن واليمنيين في الجنوب والشمال.

وعلى العموم فإن تجربة حزب المؤتمر (كأكبر حزب سياسي في اليمن كما يتصور مريدوه) تقول أنه نشأ بقرار فوقي من قبل السلطة الحاكمة ولم يأتِ نتيجة لمعركة سياسية أو لحاجة اجتماعية أو بفعل ضرورات موضوعية وتحديات وطنية أخرجته من بين الجماهير ليعبر عن أمانيها وتطلعاتها إلى الحرية التي يفترض أن السلطات صادرتها فجاء ليستعيدها، بل إنه جاء ليعبر عن تلك السلطات التي صادرت حريات الناس وكممت أفواههم وعطلت آمالهم وتطلعاتهم في التنمية والنهوض والازدهار والاستقرار، وأي محاولة لتزيين هذا التاريخ المملوء بالكوارث إنما هي ازدراء لعقول من يقرأ منشوراتكم التي تكتبونها من منافي النزوح. 

إنني لا امقت المرتمر ولا الميثاق، ولا أكره نصوصه أو حتى معديه ولا أعادي أعضاءه ولا قياداته، وبالعكس تربطني علاقات ودية قوامها الاحترام المتبادل وبعض المشاعر الشخصية المشتركة مع العديد من قواعد وقيادات المؤتمر، ورحم الله الدكتور احمد الاصبحي الذي كان صديقا لكل مثقف وماشط في اليمن ومثله د. عبد الكريم الإرياني، أقول هذا،  لكن احتقار عقول الناس واستغباءهم يستفزني ويدفعني لقول الحقيقة حتى وإن اغضبت البعض، لمن يرغب في الاعتراف بالحقائق.

الطغيان نشأ وترعرع واستأسد بعد إشهار المؤتمر وإقرار الميثاق.

الفساد المالي والإداري  الذي دمر البلاد والعباد جاء واستفحل تحت قيادة المؤتمر وفي ظل الميثاق.

الانقلاب على وحدة اليمن السلمية وغزو الجنوب وتدمير دولته جاء في عهد وزمن الميثاق.

الحروب العبثية التي أوصلت اليمن إلى المراتب الأخيرة في ميزان المعايير الدولية جاءت في عهد الميثاق.

الفقر والمجاعة وانتشار الأوبئة وفساد التعليم وانتعاش الرشوة والمحسوبية وسوء استخدام الوظيفة العامة، كل هذا نشأ في عهد المؤتمر وبعد إقرار الميثاق.

التهيئة لقلع العداد وإقامة نظام عائلي وراثي جاءت في عهد الميثاق.

القتل الجماعي للناشطين المدنيين السلميين من نشطاء الحراك السلمي  الجنوبي وثوار الثورة الشبابية السلمية جاء في عهد الميثاق، و ... و .. و. . . وأخيرا تسليم البلاد والعباد والدولة والثورة والجمهورية لأحفاد أمير الدين ابن عم حميد الدين جاء في عهد الميثاق وعلى أيدي صناع الميثاق ومهندسيه.

وبعد كل هذا هناك من يتغنى باللاموجود ليعبث بعقول من تبقى لديهم عقول في هذه اللوحة السريالية الغرائبية .

الاحتفاء بالمؤتمر والميثاق يذكرني بذلك الشاعر العاشق الذي كان يتغزل، بعين حبيبته العوراء ورجلها العرجاء وباروكتها الصناعية واسنانها التركيبة، وعجزها عن أعداد كأس قهوة.

احترموا عقولنا يا هؤلاء وتغنوا بمعشوقتكم، بطريقة أقل فجاجةً واستخفافاً بإدراكاتنا وعقولنا الفطرية وأقل استفزازاً لمشاعر ضحاياكم وأهاليهم وذويهم.

وأخيراً

أوضحوا لنا يا هؤلاء، بأي مؤتمر تحتفلون وبأي ميثاق تتغنون؟

مؤتمر صنعاء أم مؤتمر القاهرة؟

مؤتمر أبو ظبي أم مؤتمر بيروت؟

مؤتمر الرياض أم مؤتمر الساحل الغربي؟

لا يسعني إلا أن أبتهل إلى الله العلي القدير أن يعينكم على أنفسكم ويشفيكم من أمراض الحزب الحاكم المتسلط، ويهديكم إلى قراءة واقعية لتاريخكم واستكشاف الأسباب التي جعلتكم تقودون البلاد إلى هذه الهاوية.

وكل عام وأنتم بخير.

(إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ).