تهاني وافراح- قصة قصيرة

تهاني وافراح- قصة قصيرة

همس اليراع

تهاني وافراح- قصة قصيرة

د. عيدروس نصر

تعريف.

كتبت هذه القصة في مايو العام 2000م بمناسبة الذكرى العاشرة ل 22 مايو من وحي البرامج التلفزيونية الفرائحية.

ونشرت في مجموعة "ذاكرة الإسفلت" الصادرة عام ٢٠٠٤م عن مؤسسة عبادي للدراسات والنشر، صنعاء

تهاني وأفراح

   الموسيقى الصاخبة ذات الإيقاع الراقص واللحن الجميل المصحوب بالصور المثيرة لباقات الورود المتداخلة مع العديد من المناظر الطبيعية والمباني السكنية والمنشآت الصناعية والحقول المزروعة بأشجار البن والعنب والنخيل والبرتقال كل ذلك يجعل متابعة جهاز التلفاز أمر شديد الجاذبية وإغراء عصي على المقاومة.

     بابتسامتها العريضة وهندامها الجميل تطل المذيعة الشابة متسلحة بلباقة حديثة العهد لا تنقصها الجراءة المهذبة تخطو المذيعة على أنغام الموسيقى يتبعها زميلها المذيع الشاب ذو البذلة الأنيقة وربطة العنق المجارية للموضة ونظارات لا يبدو أن لها وظيفة طبية.

    يتضاءل صوت الموسيقى تدريجياً حتى يختفي ويروح المذيع وزميلته المذيعة يتناوبان في تلاوة الترحاب والتحيات للسادة المشاهدين والمشاهدات متمنين للجميع قضاء سويعات ممتعة وجميلة مع برنامج (تهاني وأفراح) المكرس للاحتفال بالأعياد الوطنية المجيدة. 

  ـ أعزائي المشاهدين عزيزاتي المشاهدات (قالت المذيعة) بما أننا نعيش هذه الأيام احتفالاتنا بالأعياد الوطنية المجيدة التي كما تعلمون يشاركنا فيها أشقاءنا وأصدقاؤنا في كل مكان فان حلقة هذا اليوم ستكون مكرسة لهذا العيد المجيد . .(ويواصل زميلها )

  ـ وهكذا فان برنامج (تهاني وأفراح ) هو برنامجكم . . . منكم واليكم، تعبرون من خلال فقراته عن أفراحكم وبهجتكم. . . عن سروركم وسعادتكم. . .عن آمالكم وطموحاتكم بهذه المناسبة المجيدة.

   وتعود المذيعة لمواصلة الحديث:

 ـ بإمكانكم أعزائي المشاهدين الاتصال بنا مباشرةً على أرقام التلفون أو الفاكس المدونة أمامكم على الشاشة لتعبروا عن أفراحكم وبهجتكم. . . فاتصلوا بنا وتحدثوا إلينا في هذه المناسبة الوطنية الكبرى.

   وبعد معزوفةٍ موسيقية قصيرة مصحوبة ببعض اللقطات من الريف والمدينة تعود المذيعة للظهور معلنةً عن استقبال المكالمة الأولى وهو صوت نسائي:

ـ ألوه!

ـ ألوه سلام عليكم!

ـ وعليكم السلام ورحمة الله . . . من معانا؟

ـ أنا كنت أريد أن أسأل حضرتك. . أنت قلت أننا ممكن نعبر عن أفراحنا، هل ممكن واحد يعبر عن أحزانه؟

 وهنا ترتبك المذيعة وتتلعثم، فهي لم تكن تتوقع مثل هذا السؤال على الهواء مباشرة فتجيب بشيء من الارتباك: 

ـ هو في الحقيقة. .بصراحة..من المفروض. .يعني. .مثلا.

بيد إن زميلها المذيع يبادر في محاولة لإنقاذ الموقف:

ـ نحن اليوم نحتفل بمناسبة سعيدة وطبعاً من المستحسن أن نجعل البرنامج لتبادل التهاني والأفراح وتأجيل الأحزان‘ إلى وقت آخر؛ فما رأيك عزيزتي؟

ـ طيب ( تقول المتصلة) شكراً جزيلاً ! 

وبينما تحاول المذيعة أن تسألها:

 ـ ولكنك لم تقولي لنا ما اسم حضرتك فهل تسمحين لنا عزيزتي بالتعرف على اسمك الكريم؟

     غير أن المشاهدة كانت قد أغلقت الخط، وتستأنف المذيعة دورها مرةً أخرى مشيرة إلى أننا في هذا اليوم نحتفل جميعا بمناسبة عظيمة وغالية على أبناء شعبنا.                                             

ـ وبهذه المناسبة ( قالت المذيعة) نستمع إلى المكالمة التالية: 

ـ ألو... مرحبا !

ـ ألو مساء الخير.

ـ مساء النور والأفراح... من معانا؟

ـ أنا ... أنا ... (يتردد صوت أنثوي على الطرف الآخر)..

   أريد أن أتقدم بالتعازي إلى خالي وخالتي وجميع أفراد أسرتهم وذلك بوفاة أبنتهم سوسن. 

ـ البقية في حياتك حبيبتي... بس ممكن تقولين لنا كيف توفيت بنت خالك سوسن! 

ـ ماتت في مشرحة كلية الطب.

ـ يا حرام...مسكينة...طيب حبيبتي ولكنك لم تقولي لنا ما أسمك؟

ـ أسمي لميس!

ـ طيب يا لميس هل تشعرين بالسعادة ونحن نحتفل بالأعياد الوطنية؟

ـ أنا اشعر بالحزن والأسى على صديقتي وأبنت خالتي سوسن!

  ويتدخل المذيع فيما يبدو أنة محاولة لإنهاء الحوار ..

ـ طيب يا لميس هل ترغبين في إضافة أي حاجة أو إهداء أي تحية أو تهنئة؟

ـ لا. . . شكرا.

ـ شكرا للصديقة لميس ... أعزائي المشاهدين وكما تلاحظون أن شعبنا يحتفل بفرحة واعتزاز بهذا التاريخ المجيد الذي صنعه شعبنا ببطولاته ونضالا ته.

   وتوقف المذيع لتدخل المذيعة بالتعليق بعد مقطع موسيقي قصير:

ـ وبهذه المناسبة أعزائي المشاهدين عزيزاتي المشاهدات لا تزال الاتصالات تتوالى علينا من كل مكان ... ونستمع الآن إلى المكالمة التالية:

ـ ألو ... مرحبا!

ـ ألو السلام عليكم!

ـ وعليكم السلام ... من معنا؟

ـ أنا المواطن صلاح القحطاني 

ـ أهلا وسهلا ... تفضل يا أخ صلاح لمن تريد أن تبعث التهاني والتبريكات؟

ـ ابعث بالتعازي لعمي محمد القحطاني وجميع أفراد أسرته بوفاة أبنهم أنيس الذي توفى عن عمر يناهز الستة شهور.

ـ البقية في حياتك يا أخ صلاح.

ـ لكن يا أخ صلاح لم تقل لنا كيف توفى الحبوب أبن عمك؟ 

ـ توفى في مركز التطعيم ... راح يعمل تطعيم ضد الشلل ومات.

ـ هـــاه! ... يمكن مع الأطفال الذين طعموهم عن طريق الخطأ بالأنسولين وماتوا جميعا؟ 

ـ أيوه ... بالضبط !‍‍‍‍‍‍‍ِ‍‍‍‍‍‍‍ ‍ 

ـ طيب يا أخ صلاح... هل تريد أن تبعث بأي تهنئة بهذه المناسبة الوطنية الغالية.

ـ والله. . .أبعث بالتهنئة للطبيب الذي قتل أربعين طفلاً، بهذه المناسبة أهنئه على هذا النجاح الكبير الذي حققه لشعبنا العظيم!

ـ شكراً للأخ صلاح... وشكراً لكم أعزائي عزيزاتي المشاهدين والمشاهدات ... وهكذا وكما تلاحظون فلا تزال أفراحنا تتوالى وتتواصل لتصبح أيامنا كلها أعياد في أعياد.

ويأتي دور المذيعة لمواصلة حديث زميلها المذيع ..

ـ والآن وبمناسبة أعيادنا الوطنية إليكم هذه المكالمة من المشاهد الكريم ..

     ويأتي صوت المشاهد عبر جهاز الهاتف:

ـ الشيخ مزايد الشطّاح!

ـ أهلا وسهلا بكم وكل عام وانتم بخير. ويتدخل المذيع:

ـ تفضل يا شيخ مزايد بإهداء التحيات والتهاني بهذه المناسبة.

ـ أتقدم بأحر التهاني وأطيب الأماني للقيادة السياسية والى شعبنا البطل وجيشنا المغوار الذي دحر الملكية والاستعمار والرجعية والتقدمية والصهيونية والثورية والإمبريالية والفاشية والنازية والعنصرية والرأسمالية والاشتراكية وكل الأعداء والخونة ألف مبروك وكل عام وانتم بخير.

ـ شكراً للشيخ مزايد الشطّاح وشكراّ لكم أعزائي المشاهدين عزيزاتي المشاهدات على متابعة برنامج "تهاني وأفراح " المكرس لاحتفال شعبنا بالأعياد الوطنية المجيدة ... شكراً للإخوة والأخوات الذين تواصلوا معبرين عن أفراحهم وبهجتهم في هذه الأيام السعيدة والمجيدة.

     ويأتي الدور على المذيعة التي تواصل :

ـ وبدورنا نتقدم بالتهاني والتبريكات إلى شعبنا بجميع أبنائه الذي يعيش أفراحه ومسراته التي صنعها بدمه ودموعه وكفاح الأبطال من أبنائه.

    ـ وبهذه المناسبة ( يتدخل المذيع) نستقبل المكالمة التالية من الأخ مدهش الغلبان ... مساء الخير يا أخ مدهش!

ـ مساء النور 

ـ تفضل يا أخ مدهش ابعث بالتحيات والتهاني !

ـ والله أنا ابعث بالتهاني إلى الأخ منصور المهزوم بمناسبة نجاح العملية وخروجه من المستشفى بالسلامة!

ـ ألف مبروك لك وللأخ منصور بس ممكن تعطينا صورة عن نوع العملية وكيف تماثل الأخ منصور للشفاء.

ـ هي في الحقيقة عدة عمليات ... الأخ منصور أصيب بقذيفة أر , بي ، جي في معركة بين قبيلة آل المهزوم وآل المكبوس والحمد لله نجي من الموت!

ـ ولماذا تقول نجي من الموت ... هل كان ممكن أن يموت ؟ تتساءل المذيعة , فيجيب عليها مدهش:

ـ أصلاً في الحادثة قتل سبعة أفراد من آل المهزوم وسبعة من آل المكبوس, وبالنسبة للأخ منصور خرج من المستشفى بعد أن بتروا له رجله اليمين وركبوا له عين صناعية واستأصلوا له أحد الكليتين...ولكن الحمد لله انه نجا من الموت!

ـ مبروك للأخ مدهش ومبروك للأخ منصور ونتمنى أن تكون كل أيامنا أفراح ومسرات.

     ويتدخل المذيع: 

ـ وهكذا أعزائي المشاهدين وكما تلاحظون كم هو جميل أن تتوالى علينا المكالمات والاتصالات المعبرة عن السعادة والتهاني والأفراح والبهجة.

    ومع الكلمات الأخيرة من حديث المذيع تتداخل موسيقى وكلمات من أغنية " ليلة الأنس هلت " لمدة دقائق ثم يطل علينا من جديد وجه المذيع الذي يواصل تقديم فقرات البرنامج:

ـ أعزائي عزيزاتي ... وبتوالي أفراحنا ومسراتنا تتوالى علينا الاتصالات من كل مكان وسنستمع الآن إلى المكالمة التالية من الأخ صالح عبدون من جمهورية جزر البراذر لاند: 

ـ مساء الخير أخ صالح عبدون!

ـ مساء الخير.

ـ أهلاً وسهلاً بالأخ صالح ... ماذا تريد أن تقول بهذه المناسبة الوطنية المجيدة؟

ـ بهذه المناسبة ... أتقدم بالتهاني للأخ الصديق زاهد الطماع بمناسبة نجاته بأعجوبة من حادثة الحاوية!

ـ ألف مبروك عليك وعليه (تقول المذيعة) بس يا أخ صالح لو سمحت ممكن تعطينا فكرة عن هذه الحادثة!

ـ هذه الحادثة تتعلق بحاويه يملكها شيخ قريتنا الشيخ ناكر المعروف وقد حجز داخل الحاوية سبعة أشخاص من قبيلتنا لمدة أثنى عشر يوماً بدون أكل أو شرب وقد مات منهم ستة أفراد أما الأخ زاهد فقد نجي من الموت ولكنه خرج مجنون. . . إنما الحمد لله الجنان أهون من الموت.

ـ ألف مبروك للأخ صالح ألف مبروك للأخ زاهد ونسأل الله أن يمدنا بالمزيد والمزيد من الأفراح المسرات.

ـ طيب يا أخ صالح ( يسأله المذيع ) هل لديك أي شي تريد أن تقوله بهذه المناسبة الغالية؟

ـ والله أنا أطلب من الإخوة المشائخ أنهم عندما يحبسون أحد الرعية أن يقدموا له الأكل والشرب لأنه بدون أكل وشرب المواطنين با يموتون وإذا مات كل المواطنين من أين سيجمع الشيوخ الإتاوات والعشور؟

ـ شكرا للأخ صالح (تختتم المذيعة الحديث متطلعةً إلى ساعتها) ... وهكذا أيها الأحبة، أمضينا معاً ساعات قليلة من هذا الزمن الجميل ... لحظات كانت جميلةً بتواصلكم وتفاعلكم معنا، وحميمةً بدفء مشاعركم ومملوءةً ببهجتكم وأفراحكم التي عبرتم عنها على الهواء مباشرةً وعبر هذا البرنامج إلى أهلكم وذويكم وأحبابكم في داخل الوطن وخارجة ..."

    وفي هذه الأثناء يبدأ تسلل صوت موسيقى راقصة يتداخل معه صوت المذيع الذي يعلن عن انتهاء زمن البرنامج محيياً السادة المشاهدين والمشاهدات ويغيب المذيعان معاً وسط الصور والمناظر الجميلة التي بدأ بها البرنامج مع استعراض سريع للطاقم الذي نفذ البرنامج مع أنغام أغنية " بسم الله ... ما شاءالله "