تعرف على أبرز الأولويات الذي أمام الحكومة برئاسة بن مبارك
حدث اليوم /سوث24
تقف قيادة الحكومة اليمنية الجديدة برئاسة أحمد بن مبارك أمام جملة من الملفات الشائكة والتحديات المتراكمة، في مقدمتها ملف الخدمات والعملة المحلية التي توشك على ملامسة أدنى سقف تاريخي لها. وكذلك رواتب الموظفين، وتوحيد إيرادات الدولة، والأمن الغذائي المهدد بالتوترات الإقليمية وتصعيد الحوثيين في البحر الأحمر وخليج عدن. وتشكل مكافحة الفساد وتطبيق الإصلاحات الاقتصادية والإدارية أيضًا أبرز الأولويات والمطالب الملحة.
بن مبارك
يمكن القول إنَّ الدكتور أحمد بن مبارك يحتفظ بعلاقات جيدة مع الأطراف اليمنية ضمن معسكر الشرعية الدولية المعترف بها دوليًا، الى جانب خبرته في ملف الأزمة منذ أكثر من عشرة أعوام، وعلاقاته الخارجية الواسعة التي بناها ضمن عمله كوزير للخارجية. وكل هذه معا تعد عوامل يفترض أن تساعده في عمله كرئيس للحكومة، لكن تجربته السابقة كوزير للخارجية لم تكن نموذجية بمعنى الكلمة.
لقد أخفق بن مبارك في معالجة ملف تضخم السفارات والقنصليات والملحقيات اليمنية في الخارج. كما أنه يتهم بالتسبب بأزمة دبلوماسية مع مصر في أبريل الماضي بسبب زيارته إلى إثيوبيا والإدلاء بتصريحات من هناك، أعقبها بعد أسبوعين إجراءات مصرية عقدت سفر اليمنيين ما زالت سارية حتّى الآن. بالإضافة لذلك، تثير ارتباطاته المبكرة بحزب الإصلاح المخاوف من تأثير ذلك على أولوياته وخططه للعمل.
الملفات الرئيسية
خلال اللقاء الذي جمع مجلس الوزراء وبن مبارك مع رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، تم بالفعل رسم الخطوط العريضة لأهم وأبرز الملفات المستعجلة. ومنها معالجة الملف الاقتصادي، والأوضاع المعيشية، مع التركيز على ضرورة وفاء الدولة بالتزاماتها الحتمية، بما في ذلك انتظام دفع رواتب الموظفين، وتحسين الخدمات الاساسية، وإعطاء عدن حقها من الاهتمام الذي يليق بمكانتها كعاصمة للبلاد.
عمليا، يواجه بن مبارك، مطلبَين ملحَّين لأغلبية سكان مناطق سيطرة الحكومة المُعترف بها دولياً، وتحديداً معالجة تدهور خدمات الكهرباء والمياه، وانهيار سعر العملة الوطنية مقابل الدولار، وانعكاس ذلك على أسعار السلع. وخلافاً للوضع الذي تولى فيه سلفه، معين عبد الملك، إدارة الحكومة طوال السنوات الماضية، فإن تعيين بن مبارك جاء في ظل صعوبات مالية أكبر تأخر معها صرف رواتب الموظفين لشهري ديسمبر ويناير الماضيين.
وعلى الرغم من أن هذا التغيير في هرم قيادة الحكومة أتى مصحوبًا بالإعلان عن تسليم الدفعة الثانية (250 مليون دولار) من المنحة السعودية البالغة (1.2 مليار دولار) المخصصة لدعم الموازنة التشغيلية ودفع الأجور والمرتبات، إلا أن هذا الدعم لا يكفي لإحداث أي تحسن أو تغيير حقيقي في الوضع الاقتصادي المنهار بعد ان أصبح سعر صرف الريال اليمني يقترب من 1700 ريالا لكل دولار واحد، في ظل توقف الصادرات النفطية وتراجع الإيرادات الجمركية بسبب انخفاض النشاط الملاحي لميناء عدن بعد فتح ميناء الحديدة مطلع 2023.
ومما يؤكد ذلك، تصريحات محافظ البنك المركزي لوكالة رويترز، التي أشار فيها إلى أن القسط الثاني من المنحة السعودية، يستهدف تغطية مدفوعات الرواتب لبضعة أشهر فقط من أجل مساعدة الناس على شراء سلع ضرورية مثل المواد الغذائية.
ويتضح لنا من ذلك أنه على رغم أهمية المساعدات المالية السعودية من حيث القيمة والتوقيت، إلاّ أنّ أفق مساهمتها في تحسين الأوضاع بشكل مستدام في مناطق الحكومة يظل محدودا، حيث لا تستثمر تلك المبالغ في إنشاء مشاريع منتجة ومدرّة للثروة والإيرادات، بل تستخدم لتغطية الحاجيات الاستهلاكية ودفع الرواتب.
تحركات أولية
نفذ رئيس الوزراء الجديد تحركات أولية تستحق الملاحظة، من بينها الزيارة الميدانية التي قام بها الى الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، التي شدد خلالها على دور الجهاز في كشف حالات الفساد والتصدي الحازم لها، وسلم رئيس الجهاز قائمة بأسماء عدد من المؤسسات المطلوب مراقبة ومراجعة أعمالها كمرحلة أولى.
كما قام بن مبارك بنزول ميداني إلى عدد من المرافق الخدمية والصحية، بدءًا بمصلحة الهجرة والجوازات، ومستشفى الجمهورية العام في مدينة عدن. كما أنه اجتمع بقيادة البنك المركزي وعدد من الوزارات. كما أصدر في 18 فبراير الجاري قرار بتشكيل لجنة مناقصات شراء وقود محطات توليد الكهرباء.
ومن بين الإجراءات المتخذة، في سبيل ترشد النفقات العامة وجه تعميم صادر عن رئيس مجلس الوزراء، بتقليص المشاركات الخارجية لوزراء حكومته، وألزم التعميم كل البعثات الدبلوماسية اليمنية في الخارج بتمثيل الحكومة بجميع الفعاليات الخارجية، على أن تقتصر مشاركة الوزراء في اجتماعات المجالس الوزارية العربية، وما في مستواها، بعد الحصول على الموافقة المسبقة.
واليوم الخميس، اجتمع بن مبارك بمجلس الوزراء واتخذ المجلس عددا من القرارات والإجراءات لمعالجة الأوضاع في المنافذ البرية والبحرية للبلاد. ومن بين الإجراءات، التوجيه بالتدوير الوظيفي في المنافذ، وإسناد مهام حمايتها وحراستها إلى قوات أمنية متخصصة. كما وجه مجلس الوزراء بتحديث البنية التحتية لهذه المنافذ، ووافق على مشروع قرار بشأن لائحة مكافحة تهريب العملات والأموال والمعادن الثمينة والأحجار الكريمة من البلاد.
بلا شك، تعد هذه التحركات الأولية مؤشرات إيجابية، لكنها تظل مرهونة بالنتائج والآثار الفعلية المفترضة. وهو ما لا يمكن الحكم عليه من الآن.
فشل إدارة معين
يمكن إجمال أسباب فشل إدارة معين عبد الملك كرئيس لحكومتين يمنيتين منذ 2018 في النقاط الآتية:
1- انتشار الفساد وسوء الإدارة في مختلف الوزارات والمؤسسات الحكومية، في ظل غياب القانون والرقابة والمحاسبة من قبل الجهات المعنية.
2- بروز ظاهرة حرب الخدمات السياسية، حيث عمدت قوى البعض داخل صفوف الحكومة على تصدير الأزمات والأعباء والتحديات إليها على كل المستويات، لا سيما في عدن والجنوب، متعمدة إحداث فوضى معيشية شاملة تضمنت تغييبا شاملا وكاملا للخدمات.
3- استمرار السياسة الاقتصادية الخاطئة وتراكم تداعياتها، وهو ما زاد من الضغوط على الموارد المحدودة للحكومة مما حال دون إيفائها بالتزاماتها وعجزها عن دفع المرتبات وموازنات المؤسسات الحكومية في المحافظات الخاضعة لسيطرتها.
4- فشل إيجاد حلول مالية ونقدية حقيقية لسحب الكتلة الكبيرة من الأوراق النقدية، التي تمت طباعتها خلال السنوات الماضية، الأمر الذي أدى إلى انهيار كبير من قيمة العملة المحلية أمام عجز الحكومة في توفير الغطاء النقدي الأجنبي.
توصيات مقترحة
1- ضرورة إيجاد معالجات ضمن ما يتطلبه الملف الاقتصادي المثقل بقضايا أكثر تعقيدًا؛ وفي مقدمتها الحد من بؤر الفساد، وهو ما سيجعل رئيس الوزراء ملزما بالتعامل الحازم، وبخاصة مع سياسة توحيد أوعية الإيرادات لتصب جميعها في البنك المركزي اليمني بعدن.
2- تقليص الإنفاق الحكومي، وتحصيل الإيرادات العامة للدولة بشكل منظم، وتوريدها إلى البنك المركزي في العاصمة عدن بالعملة المحلية والعملات الأجنبية.
3- انتظام عمل الحكومة بكافة أعضائها من الداخل والتعاطي العاجل مع هموم المواطنين، كون بقاءها في الداخل يساعد على تطبيع الاوضاع، ويساعدها على أن تكون عدن عاصمة مؤكدة.
4- ضرورة الضغط نحو إيجاد ضمانات دولية لاستئناف تصدير النفط الخام، وتوريد قيمة هذه الصادرات الى خزانة البنك المركزي في العاصمة عدن.
5- الغاء اي اتفاقات أحادية، من شانها ان تفرز تداعيات اقتصادية سلبية على مناطق سيطرة الحكومة، ونقصد بذلك التفاهمات المسبقة التي افضت الى اتفاق فتح ميناء الحديدة، مما تسبب في تراجع النشاط الملاحي في ميناء عدن.
6- تعزيز التعاون الدولي والمشاركة في الجهود الإنسانية والتنمية ومكافحة الفقر وخلق شراكة قوية مع المنظمات الدولية ذات الصلة.
7- العمل على توحيد الأوعية الضريبية وفرض رقابة على عملية التحصيل والإشراف المباشر عليها.
8- توحيد الإيرادات السيادية وتوريدها الى البنك المركزي في العاصمة عدن، وإلغاء أي حسابات في بنوك أخرى، او ادارتها والتحكم بها من قبل سلطات المحافظات، تطبيقا لقاعدة الموازنة العامة التي تنص على عدم تخصيص إيرادات معينة لمواجهة نفقات معينة.
9- الضغط على المنظمات الدولية والشركات النفطية لنقل مكاتبها الرئيسية من صنعاء الخاضعة للحوثيين ونقلها إلى عدن، وإلزامها بفتح حسابات بالبنك المركزي.
10- تعزيز الوضع الأمني والاستقرار في مختلف المحافظات وإنفاذ القانون.
د. محمد جمال الشعيبي
أستاذ الاقتصاد السياسي في جامعة عدن