كيف استفاد الحوثيون من القبضة الأمنية لنظام الأسد؟

كيف استفاد الحوثيون من القبضة الأمنية لنظام الأسد؟

حدث اليوم/الشرق الأوسط/محمد ناصر 

مع انقضاء أكثر من عقد على اجتياح الحوثيين العاصمة اليمنية صنعاء والإطاحة بالحكومة الشرعية، لا يزال الكثيرون داخل البلاد وخارجها يتساءلون عن الكيفية التي تمكنت بها أقلية مذهبية من إحكام سيطرتها على ملايين من السكان في المحافظات الواقعة تحت سيطرتها.

وتؤكد مصادر سياسية وناشطون في مناطق سيطرة الجماعة أن نهج التجويع الذي يُتبع منذ اجتياح صنعاء تجاه معظم السكان، وتركيز الثروات في يد المنحدرين من سلالة الحوثيين، والقمع الذي يواجه كل تحرك شعبي، لا يزال الأداة الفاعلة في يد الجماعة في فرض سيطرتها.

وكشفت المصادر عن أن نظام حكم الرئيس السوري السابق بشار الأسد لعب دوراً بارزاً في تدريب المئات من العناصر الأمنية والسياسية للحوثيين وتأهيلهم، ونقل تجربته في السيطرة والقمع، وأن الأمر لا علاقة له بالشعبية المزعومة.

ووفق ما أفادت به المصادر لـ«الشرق الأوسط»، فإنه ومنذ الانقلاب على الشرعية، استقبلت دمشق على دفعات المئات من عناصر الحوثيين، والذين تلقوا تدريبات في مجال الإدارة والسيطرة المالية، في حين تلقى عناصر أمنيون تدريبات على كيفية قمع أي تحركات احتجاجية في مهدها وعدم السماح لها بالنمو.

كما تلقت هذه العناصر تدريباً مكثفاً على الطريقة التي تستطيع من خلالها التحكم في المساعدات الإنسانية وتوجيهها بما يخدم أهداف الجماعة ويضمن استمرار سيطرتها على السكان.

دعم وتسهيلات

بحسب هذه المعلومات، فإن النظام السوري كان الطرف الأبرز في دعم الحوثيين كونه جزءاً من الحلف الإيراني منذ ما قبل الانقلاب، حيث كانت دمشق تستقبل الآلاف سنوياً من عناصر الجماعة الذين يتلقون تدريبات عسكرية داخل أراضيها، إما عبر ضباط سوريين أو على يد خبراء من «الحرس الثوري» الإيراني.

كما كانت تذهب مجاميع أخرى للتدريب في المناطق التي يسيطر عليها «حزب الله» في لبنان، في حين تولى النظام في دمشق تسهيل عملية ذهاب مجاميع أخرى إلى إيران من خلال منحهم تأشيرات على أوراق خارج جوازات السفر لضمان ألا تعلم السلطات اليمنية الوجهة التي ذهب هؤلاء إليها.

ويذكر اثنان من العناصر الأمنية اليمنية السابقة لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين، وعقب اجتياح صنعاء، واجهوا عجزاً فعلياً في إدارة مؤسسات الدولة والتعامل مع الجانب الاقتصادي؛ لأنهم لا يمتلكون كوادر قادرة على ذلك ولا خبرة، ولأن غالبية الكوادر رفضت العمل معهم أو أنهم من غير الموثوق بولائهم.

وطبقاً للمصدرين الأمنيين، استقبلت دمشق على دفعات المئات من العناصر الحوثيين الذين تم تدريبهم على إدارة المؤسسات والسيطرة على الحركة الاقتصادية والعملة والبنوك.

وقد تواصلت هذه العملية ودُفع بأعداد كبيرة إلى دمشق، حيث تلقوا تدريباً على يد كوادر سورية وأخرى إيرانية حول طرق التهرب من العقوبات الدولية والتحكم بسعر العملة المحلية وتجارة الوقود.

وبحسب المصدرين، فإن هذه الأدوات مكّنت الحوثيين - ولا تزال - من السيطرة وحشد الموظفين وطلاب المدارس والجامعات والعمال في كل أسبوع للاحتشاد بهدف القول إن لدى الجماعة شعبية وسط السكان.

لأنه ومن دون هذه المشاركة لن يحصل السكان على حصة من المساعدات، وسيتم فصلهم من الوظائف، إلى جانب أنهم قد يكونون عرضة للاعتقال بتهمة عدم الولاء، وهي الطريقة التي كان يتبعها نظام حزب البعث في الحكم. طبقاً لما ذكره المصدران.

قبضة أمنية مشددة

كان مشروع مكافحة التطرف قد أكد في تقرير له أن الحوثيين خصصوا موارد مالية كبيرة للسيطرة على الكثير من جوانب حياة السكان والحد من المعارضة لحكمهم، وأن جهاز الأمن والمخابرات التابع لهم يعد إحدى الأدوات الرئيسة التي تحافظ من خلالها الجماعة على هيمنتها في تلك المناطق.

وبيّن التقرير أن الدور الذي يلعبه الجهاز الحوثي، الذي استُحدث في عام 2019 نتيجة دمج جهازي الأمن السياسي والأمن القومي، يفسر سبب امتلاكه ذلك التفويض الواسع، وقال إنه ولتحقيق غاياته يستخدم هذا الجهاز القليل من الجَزَر والكثير من العِصِي.

ويؤكد التقرير أن الجهاز الأمني الحوثي يتولى على الصعيد المحلي مهام تشمل تعزيز التجنيد في صفوف الجماعة، وحقن آيديولوجيتهم في النظام التعليمي ووسائل الإعلام، وتوزيع الضروريات على قطاعات مفضلة من السكان، والإشراف على مشاريع البنية التحتية التي تمول معظمها المنظمات الإنسانية الدولية. كما يتولى مسؤولية تشجيع عودة النازحين الذين فرّوا من مناطق سيطرة الجماعة، وتنظيم المناسبات المذهبية والسياسية للحوثيين والمشاركة فيها.

ويذكر المركز المعني بدراسة المجموعات المتطرفة أن جهاز المخابرات الحوثي يعمل في المقام الأول كمنظمة سرية، وتشمل أنشطته القمعية ضد معارضي الجماعة الاعتقال التعسفي، والتعذيب، والقتل.

انتهاكات في كل اتجاه

أسّست الجماعة الحوثية - كما أورد التقرير - جهازاً جديداً يٌعرَف باسم «استخبارات الشرطة»، يقوده علي حسين الحوثي، نجل مؤسس الجماعة، وابن شقيق الزعيم الحالي عبد الملك الحوثي. وكُلّف الجهاز الجديد قمع المعارضة العامة، في حين تظل المخابرات مسؤولة عن معالجة التهديدات الأكثر حدة لنظام الجماعة.

ويشير التقرير الدولي إلى أن بعض مهام ما يسمى «جهاز الأمن والمخابرات» تشمل التعبئة المتطرفة للأطفال لتعزيز الولاء المطلق لزعيم الجماعة؛ وتهريب الأسلحة؛ وتجنيد الجواسيس الذين سهّلوا محاولات الاغتيال ضد كبار المسؤولين في الحكومة المعترف بها دولياً؛ ورعاية علاقات الحوثيين بتنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية.

وبالإضافة إلى ذلك، تورط الجهاز الحوثي – بحسب التقرير - في انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، حيث اعتقل العشرات من موظفي المنظمات الإنسانية، وعطّل المساعدات الإنسانية، واستهدف الأفراد الذين أبلغوا عن انتهاكات حقوق الإنسان، وعذّب المنتقدين والأقليات الدينية، واستولى على أصول المعارضين السياسيين