عدن وحديث الكهرباء
همس اليراع
عدن وحديث الكهرباء
د عيدروس نصر
هل مشكلة الكهرباء في عدن فنية؟ أم مالية؟ أم سياسية؟ أم خليط من هذا ومن ذاك؟
حتى 22 مايو 1990م لم تكن عدن ولا أي محافظة جنوبية تعرف أي انقطاعات للكهرباء، ويتذكر أبناء عدن وكل أبناء الجنوب أنه وحينما كانت الإدارة العامة للكهرباء تجري بعض عمليات الصيانة، كانت تعلن للأهالي عبر وسائل الإعلام الحكومية، عن وقت الانقطاع ومدته والمناطق التي سيشملها، وتعتذر لزبائنها عن هذا الظرف الاضطراري، وعموما لم تكن فترة الانقطاع تمتدُّ لأكثر من ساعتين، ولا تتكرر إلا بعد ستة أشهر أو أكثر، أما اليوم فقد أصبح الانقطاع هو القاعدة وصار توفر الكهرباء لساعتين أو ثلاث خبراً عاجلاً يتداوله الأهالي عبر وسائل التواصل الاجتماعي كما يتداولون خبر رؤية هلال شهر رمضان أو شوال، ولنا أن نتخيل المعاناة المرة والألام والأوجاع القاتلة التي يتعرض لها أهالي عدن والمدن الساحلية الذين لم تعد الحكومة تفكر في إنقاذهم مما يعانون، وقد بلغني من اتصالات شخصية أن حالات مرض حادة وإصابات بالغة ووفيات قد نتجت عن الاختناقات وعدم قدرة الناس على تحمل الحرارة والعطش والأجواء الخانقة.
تابعوا معي الأرقام التالية الصادرة عن مسؤولين حكوميين بدءًا برئيس الجمهورية (السابق) ورئيس الوزراء حتى أصغر الموظفين.
أيام رئاسة الحكومة من قبل الدكتور أحمد عبيد بن دغر قدمت دولة قطر الشقيقة منحة لدعم كهربا عدن بطاقة 60 ميجاوات، وقدمت دولة الإمارات الشقيقة محطة بطاقة 50 ميجا، أي ما مجموعه 110 ميجا وات مضافٌ إليها الطاقة المنتجة من المحطات الموجودة في عدن من قبل.
في بداية عهد معين عبد الملك وعد الرجل بإنشاء محطة كهرباء في منطقة الحسوة (عدن) تشتغل بالغاز بطاقة إنتاجية مقدارها 264 ميا، وهو ما يجعل مجموع الطاقة التي تحصل عليها عدن 374 ميجاوات.
وعلى لسان مجيب الشعبي مدير كهرباء عدن كان هناك دعم إماراتي لكهرباء عدن ب440 ميجا مما يجعل المجموع المفترض 810 ميجاوات
وعلى لسان الرئيس هادي جاء التأكيد على إنه اتفق مع شركة جنرال إليكتريك الأمريكية على كهرباء 500 ميجا تغطي عدن وأبين ولحج.
وبحسبة بسيطة جداً فإن ما حصلت عليه عدن (والمحافظات المجاورة لها) يتجاوز ألفاً وثلاثمائة ميجا وات، أو جيجا ووثلاثمائة وأربعة عشر ميجاوات بالضبط.
لندع النقاش في التفاصيل، ولننتقل إلى لغة المال والأرقام وكم يصرف على كهرباء عدن من الملايين وهذه أهم الأرقام الواردة على ألسنة المسؤولين أنفسهم:
يقول الرئيس هادي أنه خلال يونيو ونصف شهر يوليو(لم يذكر العام في حديثه) تم صرف مبلغ 96 مليون دولار على كهربا عدن أي بمعدل أربعةٍ وستين مليون دولار شهريا، ما يعني أن معدل الصرف يتجاوز 768 مليون دولار في السنة الواحدة. فكم سيغدو في ثمان سنوات؟؟
وعلى لسان مندوب المشروع السعودي لإعادة إعمار اليمن يقول أنه تم صرف ما يقارب 60 مليون دولا شهريا كوقود لتشغيل كهرباء عدن أي ما يعادل 720 مليون دولار سنويا ليبلغ المجموع خلال السنوات الثمان ما يقارب 5 مليار وسبعمائة وستين مليون دولار، قيمة وقود تسددها المملكة الشقيقة.
وبعبارة مختصرة جداً فإن الإنفاق الحكومي على كهرباء عدن والمناطق المجاورة لها مع المنح المقدمة من الأشقاء يتجاوز ستة مليارات وتسمائة وخمسين مليون دولار، وهذا المبلغ يمكن أن يكفي لبناء محطة كهرباء تغطي عدن والمحافظات المجاورة لها، وتشتغل بطاقة مستديمة دونما انقطاع على مدى الأربع والعشرين الساعة، هذا لو إن البلد يديرها كفاءات وطنية ذات مهارة مهنية وعقلية اقتصادية وضمير إنساني.
السؤال المحوري هو ماذا استفاد أهالي عدن من كل هذه الآلاف من المجاوات والمليارات من الدولارات؟
الرد: إنها عذابات متواصلة ونيران متقدة يتجرعون آلامها كل صيف والقائمون على شؤون البلد لا تهتز لهم شعرة من الخجل أو الشعور بالعار، كي لا نتحدث عن عذاب الضمير، لأن هذا النوع من العذاب لا يصيب إلا من لديه ضمير أما من لا ضمير له فكيف يتعذب؟
لن أعلق على الأخبار المتداولة عن علاقة معين عبد الملك بشركة أولاد الصغير التي أرسيت عليها كل مقاولات كهربا عدن الفاشلة وبالأوامر المباشرة من معين عبد الملك، هذه الأخبار التي كشف عنها اليوتيوبر المستقصي الرائع حسين حنشي، وأتركها حتى أستمع إلى رد رئيس الوزراء عليها، لكنني أعود لمناقشة السؤال الذي استهللت به هذا المنشور وهو:
هل إن أسباب مشكلة الكهرباء في عدن فنية أم مالية أم سياسية أم خليط من هذا ومن ذاك؟
من الواضح أن الفساد والتلاعب بالمال العام والعبث بالمنح والإعانات المقدمة من الأشقاء بما في ذلك المنح النفطية سأنها شأن الودائع المالية، وفساد المقاولات هو العنصر الحاضر رقم واحد في كل العملية، لكن هذا الفساد لا يستخدم فقط للإثراء والكسب الحرام كما في أكثر بلدان العالم فساداً، بل إنه يسخر في عملية سياسية أكبر وأعمق بعداً وهي معاقبة أبناء الجنوب لتجرُّئهم على الثورة ضد التبعية والإلحاق ومطالبتهم باستعادة دولتهم، وعلينا أن لا نتوقع خيراً من حكومة أو مجلس رئاسة أو برلمان يهيمن عليه تلاميذ مدرسة 7/7/1994م، فهؤلاء قد قبل بهم الجنوبيون مكرهين ليس فقط كلاجئين وهاربين من قمع السلالة الحوثية الباغية، بل ونصبوهم حكاماً فإذا بهم يتسلطون على رقاب أبناء الجنوب ويسومونهم سوء العذاب، متحججين بأنهم مكلفون من ملتقيات أو مؤتمرات أو اتفاقات لا يمكن الركون عليها إلا بمستوى ما تنتج من مصالح لأبناء الشعب وهذه الملتقيات أو الاتفاقات ليست نصوصاً سماوية ملزمة لضحايا السياسات البائسة لشرعيات ما بعد 1994م.
همسة لرئيس وأعضاء المجلس الرئاسي
مع كل التحية والتقدير للقائد الشاب أبو زرعة المُحَرَّمي عضو المجلس الرئاسي، أقول: إن سكوتكم عمَّا تفعله حكومة البريميير الكارثة معين عبد الملك من أفعال ترقى إلى مستوى الجرائم، يجعلكم مساءلين أمام الشعب الذي راهن على جديتكم في رفع المعاناة عن كاهله وحفظ كرامته ولو عند حدها الأدنى.
وما لم تسارعوا في محاسبة هذا الرجل والمتورطين معه من وزرائه ورؤساء المصالح ومدراء المؤسسات، فإن هذا سيجعلكم في مواجهة مع الجماهير العريضة التي فاض بها الكيل ولم يعد لديها مخزونا من الصبر بعد أن سددتم أمامها كل الأبواب والنوافذ، فماذا أنتم فاعلون؟؟