نوري المالكي يمهّد للتراجع عن موقفه الرافض لإجراء انتخابات برلمانية مبكّرة
حدث اليوم - وكالات:
قال رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي إنّ ائتلاف دولة القانون الذي يقوده ليس رافضا لفكرة إجراء انتخابات برلمانية قبل الموعد المقرّر لها سنة 2025.
جاء ذلك بعد أن تلاشت الفكرة إلى حدّ بعيد رغم أن القوى التي كانت قد توافقت على تشكيل الحكومة الحالية برئاسة محمّد شياع السوداني ضمن ما يعرف بتحالف إدارة الدولة، كانت قد حرصت على وضعها ضمن بنود البرنامج الحكومي.
ورغم الحذر الذي تحدّث به المالكي عن إمكانية إجراء انتخابات مبكّرة إلاّ أنّ كلامه لم يخل من بوادر تراجع عن موقف سابق له، كان واضحا في رفضه للفكرة من الأساس حيث قال إنّه “لا حاجة للانتخابات المبكرة لأن الوضع السياسي سليم ولا يعاني من انسداد والحكومة تقوم بعملها بصورة طبيعية وتنفذ برنامجها الذي وعدت به”.
وبحسب مصادر سياسية عراقية فإنّ التغيّر في موقف زعيم حزب الدعوة الإسلامية من التعجيل بإجراء انتخابات برلمانية جديدة مرتبط بتزايد طموحاته للعودة إلى منصب رئيس الوزراء الذي كان قد غادره بعد أن قضى فيه ثماني سنوات متتالية.
استخدام فزاعة عودة الصدريين للمنافسة في الانتخابات والتأكيد على وجود حاجة للمالكي لمواجهة الصدر وتياره
وباتت رغبة المالكي في قيادة الحكومة العراقية من جديد معلنة بشكل صريح بعد أن كانت تلميحات تصدر بشأنها من حين إلى آخر عبر وسائل الإعلام التابعة له وعن طريق أعضاء في ائتلافه النيابي. وقال عبدالكاظم الجبوري النائب بالبرلمان العراقي عن ائتلاف دولة القانون في وقت سابق إنّ المالكي يطمح إلى تولي رئاسة الحكومة. وأوضح في حديث لوسائل إعلام محلية أن زعيم حزب الدعوة لا يتطلّع الى أخذ مكان رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني لكنّه يطمح إلى تولي رئاسة الحكومة عبر الانتخابات التشريعية القادمة.
وتضمّن كلام النائب نفيا لما تمّ تداوله في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بشأن سعي رئيس الوزراء الأسبق لإسقاط حكومة السوداني قبل اكتمال عهدتها القانونية، غير أن مصادر أكّدت أنّ المالكي لوّح بذلك خلال نقاش حادّ جرى في اجتماع للإطار التنسيقي وذلك على سبيل التهديد ولتبيان دوره في تشكيل الحكومة والحفاظ على استمراريتها.
وعلى هذا الأساس فاوض المالكي على حصته في مجالس المحافظات مطالبا الكتل الفائزة بتمكين ائتلافه من حصّة وازنة من مناصب المحافظين ورؤساء المجالس بغض النظر عن نتائج الانتخابات، وبالاستناد إلى أنّ حكومة السوداني مدينة له باستقرارها وتماسكها.
وتُعرف عن المالكي طوال مشاركته في العملية السياسية الجارية في العراق منذ أكثر من عقدين براعته في تشكيل التحالفات المصلحية الظرفية، وأيضا سرعة انقلابه عليها بمجرّد أن يتمكّن من تحقيق أهدافه.
وعن ذلك يقول الباحث السياسي العراقي فتّاح الشيخ إن زعيم حزب الدعوة عندما يتعلّق الأمر بمصالحه الشخصية “يضرب بأصحابه عرض الحائط”، موضّحا أنّ المالكي الذي يتكلم الآن مع شركائه في الإطار التنسيقي هو غير المالكي الضعيف الذي كان يتكلّم معهم في السابق.
وكان المالكي قد أزيح إثر انتخابات سنة 2014 من رئاسة الحكومة بعد تجربة في الحكم شهد العراق خلالها تراجعا على مختلف الأصعدة إذ توقفّت التنمية فيه بشكل شبه كامل وشاع فيه الفساد بشكل غير مسبوق وأتى على مئات المليارات من الدولارات المتأتية من عوائد النفط، وانهارت قواته المسلّحة حتى عجزت عن مواجهة مجاميع تنظيم داعش الذي سيطر في وقت وجيز على مساحات شاسعة من البلاد.
وفي ما كان ينتظر أن يخضع الرجل للمحاسبة ويغادر الساحة السياسية من الباب الضيّق، تمكّن من التشبث والحفاظ على دوره باستخدام شبكة النفوذ الواسعة التي نسجها داخل أجهزة الدولة، وظل ينتظر فرصة العودة إلى مقدمة المشهد حتى أتيحت له بعد الانتخابات النيابية الأخيرة وما حف بها من مشاكل وما دارت حولها من صراعات أفضت إلى هزيمة التيار الصدري وانتصار خصومه التقليديين وعلى رأسهم المالكي نفسه.
وتقول المصادر إنّ قائد ائتلاف دولة القانون يمّر بمرحلة قوّة سياسية كبيرة بعد أن استعاد توازنه الذي فقده مع نهاية ولايته الثانية. وكانت عدّة جهات قد حمّلته مسؤولية الكارثة التي حلّت بالبلاد وطالبت بمحاسبته على التسبّب بإضعاف القوات المسلّحة العراقية، وعلى استشراء الفساد في مفاصل الدولة وإهدار مئات المليارات من الدولارات التي تأتّت من عوائد النفط ولم يُلمس لها أيّ أثر تنموي في البلاد.
وتوضّح المصادر أنّ المالكي تجاوز كلّ ذلك الآن وعاد بوصفه القائد الأوّل للقوى الشيعية الحاكمة نظرا للدور الذي لعبه إثر الانتخابات النيابية الماضية في منع ضياع الحكم من يدها بعد أن كانت مهدّدة من قبل تيار خصمها اللدود مقتدى الصدر الذي تمكّن من الحصول على عدد كبير من مقاعد البرلمان، والذي كان يمكن أن يؤهله للفوز بامتياز تشكيل الحكومة لولا تشكيل تحالف شيعي مضاد له تحت مسمّى الإطار التنسيقي.
وتؤكّد المصادر أنّ رئيس الوزراء الأسبق تجاوز مجرّد كونه قائدا للإطار وأصبح يقوم بدور الحكم بين مكوّناته بعد أن تعمّقت الخلافات واشتدّت الصراعات بين أقطابه، وخصوصا بين قيس الخزعلي زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق وهادي العامري زعيم ميليشيا بدر، على المناصب في مختلف مؤسسات الدولة وإداراتها، بما في ذلك الخلافات الطارئة مؤخّرا على تشكيل الحكومات المحليّة للمحافظات في ضوء نتائج الانتخابات المحلّية التي أجريت في ديسمبر الماضي.
قائد ائتلاف دولة القانون يمّر بمرحلة قوّة سياسية كبيرة بعد أن استعاد توازنه الذي فقده مع نهاية ولايته الثانية
وبالنسبة إلى المالكي فقد شكّلت انتخابات مجالس المحافظات نقطة قوّة إضافية له حيث مكّنته من الفوز بحصّة وازنة من المناصب القيادية للحكومات المحلية، الأمر الذي سيساعده على ترميم نفوذه في الجهات واستخدام ذلك النفوذ في أيّ انتخابات نيابية تجرى لاحقا.
ويقول متابعون للشأن العراقي إنّ تقديم موعد الانتخابات البرلمانية يصبّ في مصلحة المالكي بشكل مباشر، إذ يمنع رئيس الوزراء الحالي محمّد شياع السوداني من استكمال برنامجه الحكومي الذي أظهر جدية وحرصا على تنفيذه ما قد يرفع في شعبيته ويؤهّله ليصبح منافسا قويا في الاستحقاق الانتخابي القادم، خصوصا مع رواج أخبار بشأن سعيه لتشكيل تحالف جديد يضمّ شخصيات وتيارات فائزة في الانتخابات المحلية الأخيرة.
وقال نوري المالكي في حديث لوكالة الأنباء العراقية إنّ الانتخابات المبكّرة هي “إحدى الفقرات المكتوبة بالبرنامج الحكومي”، مؤكّدا وجود أفكار تتداول بشأنها داخل الإطار التنسيقي.
ونسب المطالبة بإجراء تلك الانتخابات إلى التيار الصدري قائلا إنّه “من أكثر المطالبين بها”، لكنّه حرص على القول إنّ قوى أخرى تطالب أيضا بإجرائها.
كما تحدّث عن وجود معلومات بشأن توجّه تيار مقتدى الصدر للعودة عن قرار المقاطعة والمشاركة في الانتخابات سواء كانت مبكرة أو غير ذلك.
ويبدو أنّ المالكي يستخدم عودة الصدر وتياره للمنافسة في الانتخابات كفزاعة لباقي القوى الشيعية الحاكمة من خلال تحذيرها من أنّ ماكنتها في قيادة الدولة ما تزال مهدّد والتأكيد على أنّ له دورا ليلعبه في مواجهة زعيم التيار الصدري الذي كان قد واجهه عسكريا وتمكّن من تحجيم الميليشيا التابعة له والتي كانت تعرف بجيش المهدي، فضلا عن مواجهته سياسيا طوال سنوات حكمه وصولا إلى م
نعه أخيرا من الحصول على امتياز تشكيل الحكومة.