أبين محور التوازن في منظومة الجنوب الاقتصادي والأمني

أبين محور التوازن في منظومة الجنوب الاقتصادي والأمني

حدث اليوم - كتب - هاني المحرّمي 

(((من ثروات أبين يُبنى الاقتصاد، ومن جبالها يُصان الأمن، ومن وعي أبنائها تُحفظ السيادة)))

تمثّل محافظة أبين اليوم قلب المعادلة الجيوسياسية في الجنوب، فهي نقطة التقاء الاقتصاد بالأمن، والمجتمع بالموارد، والدولة بالتحولات السياسية.

بينما تُعدّ عدن العاصمة الاقتصادية، ولحج الامتداد الزراعي والمائي، والظالع وابين ولحج وعدن لديها خبرات ادارية قادرة على تحقيق الاستقرار الاقتصادي والامني، ولكن تبقى أبين هي المحور الحقيقي للتوازن الذي يربط هذه المحافظات ويحدد استقرارها أو اضطرابها وتُضاف الى المعادلة شبوة.

لكن هذا الموقع جعلها أيضًا هدفًا ضمن مخططٍ إقليمي ودولي أوسع يسعى لإضعاف قدرة المركز — وتشتيت جهود القيادة تحديدًا، من خلال زعزعة أبين وزرع مراكز فوضى داخلها، وعلى رأسها مديرية المحفد، التي تحوّلت إلى بؤرة استنزاف أمني واقتصادي.

 من المعروف ان الحل لهذه التحديات، رؤية شاملة تدمج الاقتصاد بالأمن والإدارة ضمن إطارٍ استراتيجي متكامل.

أولًا: أبين في المشهد الجيو-اقتصادي:

تتمتع أبين بمزيجٍ فريد من المقومات الإنتاجية:

• الزراعة: وادي بَنا ووادي حسان يشكلان السلة الغذائية الأهم في الجنوب.

• الثروة السمكية: ساحل يزيد على 200 كم غنيّ بالأسماك والقشريات، مؤهل لتطوير ميناء شقرة ومحلات إنزال متعددة ومصانع تعليب.

• المعادن: جبال حطاط والمحفد ووادي عَومران وكثير من المناطق تحتوي على الحديد والمنغنيز والكروم والحجر الجير، والبازلت ... الخ، حسب تقارير مختصين في الجيولوجيا والمعادن.

هذا التنوع يجعلها الرافد الإنتاجي لعدن في اطار اقتصادي تكاملي، ومحافظة لحج كذالك، والمصدر الرئيسي للمواد الخام والغذاء والطاقة البشرية.

لكنّ غياب الإدارة الرشيدة والمؤهلة، جعل هذه المميزات خارج منظومة الاستفادة الوطنية طيلة عقود مضت، بل وأتاح لقوى محلية وإقليمية استغلالها في تمويل نفوذ غير مشروع في الفترة الاخيرة.

ثانيًا: مديرية المحفد – الحلقة الأمنية الأخطر

1. الموقع والأهمية:

تقع مديرية المحفد في أقصى شرق محافظة أبين، وتشكل جسرًا جغرافيًا بين أبين وشبوة، وسلسلة جبلية وعرة تمثل ممرًا استراتيجيًا نحو المناطق الشرقية.

هذا الموقع جعلها ذات قيمة مزدوجة:

• ميدانيًا: نقطة عبور للعمليات العسكرية والخلايا المتطرفة.

• سياسيًا: مدخلًا لاختراق أبين ومضاعفة الصراع وإرباك الامن والاستقرار في الجنوب عامة وابين وشبوة خاصة.

2- التحولات الأمنية والسياسية:

منذ قبل 2015، أصبحت المحفد محورًا لتكثيف أنشطة الجماعات المسلحة (القاع.... و داع...)، بدعمٍ خفي من قبل الخصوم (الحوثيين والاخوان) للمشروع الوطني وبمشاركة اطراف من هنا وهناك خارجية، تتقاطع مصالحها في إضعاف الحامل السياسي الجنوبي عبر إنهاك قواته واستنزاف قدراته.

كما شهدت المنطقة سابقا خلق صراع جنوبي- جنوبي في شقرة والشيخ سالم والهدف منه اصبح معروف للجميع، ومازالت المحاولات مستمرة لخلق كيانات عسكرية وامنية خارج عن الادارة المباشرة للقيادة بهدف عدم الارباك وتنفيذ مخطط تتضح ملامحه بالمستقبلالقريب، ولكنه في الواقع يخدم إعادة تدوير الفوضى الأمنية لعرقلة أي استقرار مؤسسي في أبين والجنوب ككل.

  

3- التداعيات على أبين:

• تراجع الثقة بين الأجهزة الأمنية والمجتمع المحلي.

• غياب الامن وتعطيل المشاريع الحيوية في وادي حسان ومصانع الاسنمت وغيرها من أعمال التخريب.

• خلق ارباك للقوات الأمنية والقيادة السياسية الجنوبية.

• إضعاف هيبة الدولة والعمل على استهداف النسيج الاجتماعي واثارة المناطقية للتفرقة.

المحفد ليست مجرّد منطقة اضطراب، بل أداة سياسية-أمنية تُدار بعناية ضمن مخطط عام، والهدف منه كسر التوازن الاستراتيجي بين أبين واخواتها.

ثالثًا: أبعاد المخطط الإقليمي والدولي

تشير قراءات مراكز الرصد الإقليمي إلى أن ما يجري في أبين وشبوة وصولاً الى حضرموت وبلاد الصبيحة، والمتضرر الأكثر هي المحفداكثر من غيرها، وهذا جزءٌ من مخطط أوسع لإعادة تشكيل موازين القوى في المناطق المحررة عبرالاتي:

1. استهداف المجلس الانتقالي الجنوبي بأثارة مناطق معينة مثل ابين وخلق خطوط تماس داخلية تمنع وحدة القرار الأمني والسلم المجتمعي.

2. تعطيل مشروع “استعادة الدولة الجنوبية” عبر إبقاء الجنوب في حالة “نصف استقرار – نصف صراع”، بحيث لا يتشكل كيان سياسي متماسك يمتلك التحكم والسيطرة على الجغرافيا الجنوبية.

3. التحكم بمصادر المعادن والموارد الزراعية في أبين والمناطق الساحلية لتوجيهها نحو قنوات اقتصادية غير رسمية مرتبطة بمصالح اطراف نافذة تخدم اجندات خارجية.

4. استخدام الجماعات المسلحة كورقة ضغط دولية تبرر التدخل الأمني أو السياسي تحت غطاء “محاربة الإرهاب”.

هذه الاستراتيجية تُدار بتكتيك “الفوضى الذكية” – أي إبقاء مستوى من التوتر يسمح بتعطيل التنمية دون انفجار شامل، وهي ذات الآلية التي استُخدمت في مناطق أخرى غنية بالمعادن في أفريقيا وأوكرانيا.

رابعًا: أبين كمحور توازن اقتصادي وأمني

1- اقتصادياً: 

أبين تمثل رافد بدرجة ثانية بعد عدن وحضرموت وشبوة للاقتصاد الجنوبي الزراعي والسمكي والمعدني، ومصدر للمياة الى عدن بالمستقبل.

تفعيل دورها يعني:

• تقليص الاعتماد على النفط الناضب مستقبلاً.

• بناء اقتصاد إنتاجي محلي.

• دعم الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي.

2- أمنياً:

استقرار أبين هو عنصر رئيسي لاستقرار عدن ولحج غرباً وشبوة شرقاً.

والمحفد تمثل نقطة التماس بين الأمن والتنمية، فإذا استُعيدت إداريًا وتنمويًا ضمن بقية مديريات ابين، ستتحول من عبئ إلى خط دفاعٍ استراتيجي، وإذا تُركت للفوضئ، ستتحول إلى ثغرةٍ مفتوحة لكل مشروع مضادّ.

خامسًا: الحلول الاستراتيجية المقترحة:

1. تحرير القرار الأمني المحلي في أبين من تضارب الولاءات، وتوحيد القيادات تحت سلطة مدنية مركزية ومؤهله، ويوجد كثير من الكوادر والخبرات في بيوتهم (تم تهميشهم).

2. إنشاء قيادة تنمية وأمن موحّدة لابين عامة والمحفد خاصة، تربط مشاريع التنمية بالانتشار الأمني.